قبل أيام كنت منشغلا بإتمام ملف إداري في بلد من بلاد الناس، وبما أن الملف يتطلب مني زيارة أكثر من مكتب ومؤسسة، رسمت مخطط تنقلاتي ورتبتها وتوكلت على الله متسلحا بقدر كبير من شحنات الصبر، وجرعات الحِلم، رافعا سقف الحذر عاليا، عاملا بمبدأ تمني الأفضل وتوقع الأسوأ.. وهذا ما دأبت عليه بسبب التجارب المريرة التي اجتزتها فيما سبق من حياتي..

كانت البداية من موقع الإنترنت والاطلاع على المتطلبات بكل يسر ووضوح، ثم الذهاب إلى مقر الوزارة وهناك كان الاستقبال فوق التصور، حتى أني تساءلت عن مستوى استقبالهم للوزير نفسه عندما يأتي إليهم.. أرشدوني إلى قاعة انتظار فخمة، أخذت دوري بسحب قصاصة من جهاز آلي مع شاشة لمتابعة تقدم الأدوار قبلي..

حان دوري فغمرني الموظف بلغة راقية وتحية لطيفة كأنه يستقبل أعز أصدقائه بعد غياب طويل.. وهنا تذكرت حادثة وقعت لجدتي رحمها الله مع امرأة زارتها في البيت ذات يوم سائلة عن أحوالها وأبنائها وأمورها.. وكانت أجوبة جدتي بأن كل شيء على ما يرام والحمد لله.. ولكن كان لتلك المرأة ردا غير متوقع تماما.. فيما معناه: واش نقولك يا فاطمة.. يقولو ناس زمان: إذا استوات لوات!! ولكم أن تتوقعوا ردة فعل جدتي حينها..

حدث معي ما يشبه ذلك حقا.. فقد اعتذر الموظف لي عن عدم قدرته على إتمام المعاملة بعدما شرحت له المطلوب، وأخبرني أنه يتوجب علي التنقل لمكتب آخر – يبعد حوالي 20كم- لأن هناك خلل مفاجئ في السيستام.. وطمأنني أنه سيتصل بالموظف الآخر ويخبره بأني قادم إليه وعليه أن يتم الخدمة كما ينبغي.. قالها معتذرا حتى صرت أطلب منه أن يكف عن ذلك..

عندما وصلت لمقر الملحق الذي توجد فيه المصلحة المعنية بموضوعي، ووصلت إلى المكتب وجدت ورقة معلقة مكتوب فيها أن التواصل يكون بالبريد الإلكتروني والواتساب وأنهم بناء على قرار جديد لا يستقبلون الأشخاص.. أخذت الرقم وكتبت رسالة أوضح فيها حاجتي بدقة.. أرسلتها بالبريد والواتساب.. وعدت إلى البيت بعد أن تفقدت رصيدي من الصبر والحلم والتوقع السيء ولم أجد أني قد استهلكت منه سوى 5٪ على أقصى تقدير..

الغريب في الأمر بالنسبة لي وما لم أعتد عليه.. هو أن يتواصل معي الموظف الذي راسلته بالواتساب في 22:00 ليلا، معتذرا عن تأخره في الرد لكثافة الرسائل عنده، مستهلا رسالته بـ “عذرا أستاذي”.. تم التواصل وشرح الموضوع.. وأتممنا الحوار بـ “أمورك طيبة”.. وفي الصباح كانت معاملتي جاهزة والحمد لله.

للقصة بقية وتفاصيل كثيرة.. إلا أني سأكتفي بهذا القدر.. وأترك التعليق لكم..