أثناء قراءتي المتأنية هذه الأيام لمذكرات المفكر مالك بن نبي بعنوان “العفن” وما حوته بين ثناياها من صراع مرير مع الاستعمار، وبدرجة أقسى من انطلت عليهم حيلة المستعمر وإغراءاته، وصاروا أبواقا وفية سخية وصدى فصيحا مستسلما خاضعا..

أجدني وأنا أقرأ تلك الأحداث والمواقف متداخل العواطف لحد التناقض، أحمل مزيجا من الحيرة والراحة.. حيرة من تكرار نفس الأسباب والنتائج بتغير أطراف المعادلة نسبيا، وراحة من تجسد بعض الظواهر ماثلة أمامي والاهتداء إلى تفسير لها ولأسبابها وبالتالي توقع نتائجها، وأكثر من ذلك تصنيفها بين المهمة وغير المهمة، بين الخطيرة المصيرية وبين التي لا تعدو أن تكون مجرد زوبعة في فنجان..

يبهرني مالك بن نبي في نحته للمصطلحات، وتوصيفه الدقيق الجريء الصارم للأدوار الاجتماعية والسياسية في المجتمع الجزائري والفرنسي وكذا شمال أفريقيا والدول العربية والعالم في سياقات معينة، مثل من سماهم “المساعدون المكلفون بالصلاة” وهم شيوخ المساجد وأئمتها الذين وظفتهم فرنسا – بوعي منهم أو بدون وعي- لتلميع صورتها ومحاربة كل بوادر أفكار مقاومة قد تصدر من الشعب الذي ينقاد ويتأثر بهم كثيرا بسحر الدين وسلطته..

قراءة مثل هذه الكتب على ضوء الحراك الوطني والواقع الحالي تمنحنا زادا معرفيا وشحنات معنوية للصمود والعمل بوعي دون يأس ولا تهور، فضلا عن السقوط في فخ ردة الفعل ممن يعتبرون مجرد مكلفين بمهمة أو خصوما مباشرين، وحتى ممن يندسون ويتسللون ويتخبطون في المواقف لا يستقرون على حال..