تنطلق هذه الأيام فعاليات معرض الكتاب الدولي بالجزائر الموسوم بـ”حلّت الروائع”، حيث يميز أيام المعرض السنوي ذلك الاهتمام الكبير من الطلبة والأساتذة  وأهل العلم لزيارة دور النشر العارضة والمشاركة من مختلف دول العالم، المعرض فرصة لاكتشاف جديد الكتاب، وكذلك مناسبة لإحياء بعض الندوات والتكريمات لشخصيات أدبية علمية هامة.

لست هنا لأعرّف بالمعرض المسمّى Sila 15، ولا أدري لماذا يجب أن يُحشر الحرف الفرنسي في كل حدث عندنا في الجزائر؟ أهي العالمية في التفكير كما يقال؟ لو كانت كذلك فالإنجليزية أولى وأحق، وماذا ينقص العربية لتكون في مستوى حدث وطني؟ علما أن العدد 15 يشير لمرات انعقاد المعرض، وكذلك لست لأفصّل في أحداث الكرّ والفرّ للمشاركة المصرية والتي كانت مادة دسمة ورصيدا ثريا لمداخيل الجرائد ووسائل الإعلام كالعادة هنا وهناك، طبعا الرأي رأي الدكتور أبو القاسم سعد الله حفظه الله حين كتب عن الأمر وقال: الكتاب ليس مصريا! وأرجو منك أخي قراءة المقال أولا قبل التعامل مباشرة مع العنوان، وفهمه وفهمي غلط!

في غمرة هذه الصراعات العربية التي لا تنتهي حسب ظاهر الأمر، كانت الصحف الجزائرية أيضا في هجوم غير مبرر على منظمي معرض الشارقة الدولي للكتاب لمزامنته معرضنا هنا، فلماذا لا يكون الأمر منافسة شريفة لتقديم أفضل الخدمات وترك دور النشر تختار وجهتها وتحدد أولويتها بنفسها، إذ تولي أهمّيتها للجزائر أو الشارقة حسب ما تجد فيه راحتها هي، فإن كانت المشكلة مادية أظن أن الجزائر ليس أقل شأنا من الشارقة، أما إن قارننا الإجراءات وسهولتها، والاحترافية في التعامل مع العارضين والزوار، فالأكيد أن الشارقة تسبقنا بأعوام في هذا الأمر، فمتى تلحقين يا وزارة الثقافة بركب الأمم المتطوّرة؟ لا ينقصك المال ولكن العقلية المحترفة في تسيير الأمور.

ولو آتي لمقارنة بسيطة بين معرض الكتاب عندنا في الجزائر وبين معارض الكتاب العربية والعالمية الأخرى، ولكي أكون صريحا أقول إننا مازلنا في مؤخرة الدول التي تقيم المعارض ليستفيد منها الشعب والمواطن البسيط، وهذا الرأي يعود لعدّة شواهد ووقائع عشتها بنفسي، ولا تخفى على أي ملاحظ، وهي كذلك ليست موضوعي هذه المرة.

المقالة تشرف على النهاية ومازلت لم أدخل صلب الموضوع، أكيد هذا خلل، المهم… ما هو الموضوع؟ بكل بساطة ماهي مكانة الكتاب لدينا؟ وهل معرض الكتاب هذا سيأتي بجديد الكتاب العالمي؟ أم يكتفي الناشرون فيه بتقديم كتيبات وصفات الأكلات الشهيّة؟ والمقررات الدراسية التدعيمية؟ فمعرض الكتاب أصلا هو لعرض الأحدث والأجود، وليس للربح التجاري فقط، على خلاف واقعنا، حيث تبتعد أغلب دور النشر عن المجازفة بالعناوين الجديدة والمتخصّصة، خوفا منها من عدم الإقبال، فالمسألة هنا تجارية بحتة وليست لتثقيف المثقّفين، وسد رغبات الطلبة الباحثين، ممن يبحثون عن نفائس الكتب ولا يجدونها بعد جولة طويلة منهكة في أرجاء المعرض الكبير.

لا أريد أن أكون متشائما أنظر من زاوية ضيقة كما يمكن أي يصفها أي قارئ، لكنها الحقيقة في غالبيتها، مع أنه يوجد عارضون جادّون وأوفياء للقارئ، يقدمون ما يفيده ويحرصون على خدمته ولكن للأسف أعود وأقول أن أغلب تلك الأقلية هي دور نشر فرنسية أو إنجليزية، فماذا يبقى الآن؟ إلا أقلية الأقلية من دور النشر العربية التي أحيّيها وأرجو أن تفرض نفسها باستمرار، واذكر على سبيل المثال لا الحصر: مكتبتَي جرير والعبيكان.

وللعودة لعنوان الموضوع، فماهي الكتب الأعلى مبيعا في أمريكا مثلا؟ وإنجلترا؟ وفرنسا؟ طبعا عناوين مشهورة لمؤلفين مشهورين، تجري بينهم منافسة، لا تخفى على أحد، أما الحال عندنا في الجزائر وربما مشابه في أغلب الدول العربية، فالباست سالرز (Bestsellers) محصورة بمنافسة شديدة ومثيرة بين كتابي الطبخ، وقوانين المرور حسب دراسة موثوقة أجريت قبل أعوام!

فإلى ماذا يعود عزوف المواطن الجزائري – أو أقول العربي – عن الكتاب؟ هل هو غلاؤها؟ أم غياب ثقافة المطالعة أصلا؟ أم أن الاحصائيات نفسها مغلوطة ومبالغ في تدنّيها؟ هي أسئلة كثيرة تتبادر للذهن، ولكل منها نصيب من المشكلة طبعا، والحل لا يكون في القريب العاجل حسب الأجواء المحيطة دون أية مبالغة.

أوصي نفسي وكل قارئ لهذه التدوينة بالمطالعة خاصة المتخصّصة، كل في مجال اهتمامه وميوله، ويمكن ذلك من خلال الأنترنت، بتحميل الكتب مجانا، على أسوء تقدير لمن لا يملك حقّ الكتاب، -وهم قليل جدا- إذا نظرت لما يملكه أغلب من حولي من آخر صيحات الهواتف النقالة، والاعتناء الزائد بالملابس، والمسابقة لاقتناء آخر ما يلبس اللاعبين، ولو سألتهم عن ميزانية بطاقات الشحن التي يستهلكون، فعند جمعها يمكن أن يملكوا مكتبة راقية، هذا مع توفر مكاتب عامة تشكو الهجران وقلة الإقبال، فعامل آخر هنا أيضا له تأثير في الموضوع وهو غياب حس المطالعة أصلا.

موضوع الكتاب ومكانته لدينا لا يجعل منا نغطي على كل الإنجازات أيضا، فتوجد نخبة من الشباب أعايشهم لهم اهتمام بالكتاب مطالعة وتحليلا ومتابعة للجديد، أدعو الله لهم كل التوفيق، وأدعو كل من لديه الرغبة أن يحاول أن يبدأ فقط وهي الخطوة الأصعب، لكن ما إن يتعود سيتذوّق حلاوة مرافقة الكتاب ويعز عليه فراق أوفى صديق على مرّ الزمان.