لكل بداية نهاية، ولكل أجل كتاب، دخلت مكتبي اليوم لتطالعني صورته فاعتقدت لأول وهلة أن الأمر متعلق بالجديد الذي أطلقته Apple قبل يومين iPhone 4s، إلا أني اكتشفت أنه نعي لوفاته، فلم يبق ركن من أركان الفيسبوك أو التويتر أو غيرها من مواقع الإنترنت لم يكتب عن هذا الحدث!

لا أعتقد أن هناك من يتعامل مع التقنية لم يسمع بهذا الاسم، ستيف جوبز، فإن كان فلا أعتقد أنه لم يسمع عن شركة آبل Apple، أو التفاحة المقضومة كما يصفها رواد التقنية ومتتبعيها، وماكان الرجل ليكسب مكانته في قلوب الناس وعقولهم بل جيوبهم لولا بعض الأسرار التي كانت تميز علاقاته وتصرفاته، ولولا مهاراته المتفردة في التسويق لأي منتج جديد من منتجات شركته العملاقة.

iPhone, iPad, iPod, iMac,… إلخ، كلها باقة من باقته المشهورة، هي حلم كل من يراها ويطلع عليها بالصورة فقط في الأنترنت فضلا عن امتلاكها، فقد أضاف لمسة جمالية ومتعة خاصة في استعمال تلك الوسائل الترفيهية في مظهرها العملية في جوهرها، حتى صار من يملك أحدها لدينا بالفطرة أو بالعرف يصنف ضمن المحترفين.

Steven Paul Jobs مواطن أمريكي من أب سوري، ولد في 24 فيفري 1955، عاش حياة التبني، وتدرج في مراحل التعليم، ولكنه رسب في أول عام له في الجامعة وتركها، اعتمد على عصاميته، فتنقل بين عدة وظائف بسيطة في شركات تصميم الألعاب حينها، إلى أن أسس في عمر 21 عاما هو وشريكه ستيف وزنياك آبل عام 1976، الذي انفصل بعد أعوام ليتفرغ لحياته الخاصة ومشاريعه الشخصية بعد حادث تحطم طائرة أصيب فيه بجروح بالغة.

لم يكن بعدها طريق النجاح مفروشا بالورود، فقد شهدت مغامرات ومفاجآت بعضها سارة وأخرى سيئة لستيف، ففي عام 1985 مثلا ترك شركة آبل وأسس مشروعا جديدا باسم “نكست” دام 10 سنوات تقريبا ليتم شراؤه من آبل التي شهدت انهيارات هي الأخرى فلم تجد إدارتها حلا غير ستيف جوبز ليعيد لها بريقها المفقود، فدعي إليها كمستشار ثم كمدير تنفيذي مؤقت ثم دائم براتب قدره دولار واحد، دخل حينها موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأقل راتب يتقاضاه مدير تنفيذي!!

طبعا كان لستيف في الشركة أسهما تقدر ب 30 مليون سهما، كما كان مالكا لحصة في والت ديزني للأفلام الكرتونية وعضوا في مجلس إدارتها، كونه كان شغوفا بعالم الرسوم المتحركة وتجربته مع شركة “بيكسار” أقوى دليل، فبصمته كانت واضحة جلية في كل مشروع يشرف عليه، حتى صدقت فيه مقولة مشهورة تتداولها مواقع الأنترنت ولا أعلم صاحبها: “ثلاث تفاحات غيرت العالم: تفاحة آدم وتفاحة نيوتن وتفاحة ستيف جوبز”.

ستيف جوبز في إحدى عروضه التقديمية لجديد Apple

لم أرد أن أفصل هنا حياة ستيف جوبز، كون الكثيرين قد فعلوا، ولا تكفي مجرد مقالة لبسط مسيرة 56 عاما، مليئة بالنجاحات والإخفاقات، إنما يمكن استخلاص العبر والدروس من هؤلاء الكبار، فقد علمنا ستيف أنه لا نجاح دون فشل، وبين لنا معنى العمل الجماعي، وتفنن في التميز والتفكير خارج الصندوق، علما أن فكرة شاشات اللمس كانت محل استهزاء واستغراب بعض منافسيه، كما أبهر العالم ووضع منهجية جديدة في كل إعلان عن جديد آبل، بمظهره البسيط، ولغته التي يستهدف بها عامة الناس قبل المتخصصين، لأنه آمن بأن أفكاره ليست ملكا لفئة معينة، وإنما هي ملك كل من يحتاجها.

مات ستيف جوبز، فكم من ستيف جوبز سيبرزون بعده؟ وهل ستبقى آبل كما تركها؟ هل ستتطور؟ أم تنهار؟ كلها أسئلة تتبادر للأذهان، وتتداول في الأوساط الحقيقية والافتراضية، لكل رأيه في ذلك بناء على معلومات مسبقة، فشخصيا أرى إن كانت الشركة تقف على نظام معين ومنهج محدد فلن تتأثر برحيل الأشخاص، فستيف كان قد استقال من منصبه منذ جانفي 2011م، لمرضه بسرطان البنكرياس، وترك هذه الرسالة في حين لازالت آبل تصنع أمجادها:

“كنت أقول دائماً بأن لو حدث وأتى يوم لم أعد فيه أهلاً للواجبات والتوقعات التي تقع على كاهلي كمدير تنفيذي لأبل، سأكون أول من يعلمكم بذلك. مع الأسف، هذا اليوم قد حل. وامتثالاً لهذا الالتزام، ها أنا أقدم استقالتي من منصب المدير التنفيذي في أبل. وأحب أن أخدم، إن رأى المجلس ذلك ملائماً، كرئيس للمجلس، مدير وموظف لصالح أبل. وحيث ما ذهبتم في مسألة من سيعبقني، فأوصي بقوة بإتمام خططنا للخلافة والقيام بوضع تيم كوك في هذا المنصب. أؤمن بأن أكثر أيام أبل إبتكاراً وإشراقاً لا زالت أمامها. وأتطلع لمشاهدتها والمساهمة في نجاحها من منصب جديد. لقد صنعت أفضل صداقات حياتي في أبل، وأشكرهم جميعاً على كل تلك السنين الكثيرة التي كنا قادرين فيها على العمل معاً”

بيل غيتس أيضا استقال من ميكروسوفت منذ جوان 2008م ولم يعد مرتبطا بها لوقت كامل، ولازالت الشركتين تقدمان للعالم وتبذلان جهودا كبيرة لتقديم خدمات متجددة والمحافظة على مراكز الصدارة بين الكبار.

في الأخير أنوه إلى ما أسفت لأجله في الفيسبوك والتويتر من أنصاف العقول، بالحديث عن الترحم أو عدمه على ستيف جوبز، وكون ذلك جائز أو حرام أو مندوب، هل هذا وقته؟ وهل المقام مقام ذلك؟ أليس من الأجدر لك محاسبة نفسك عن عدم موته على دينك؟ هل بذلت جهدا في سبيل ذلك؟ الأغرب أننا نجد من يعيب على الرجل ويصفه بكل شيء كاتبا ذلك على توتير أو فيسبوك مستعملا iPhone أو iPad!!، هلا رميت ذلك الجهاز الذي في يدك واخترعت آخر مثله لنترحم عليك عند وفاتك؟ الحل أن تسكت فقط بغض النظر عن صحة ما تقول، وتحصي فضائل الرجل في جوانبه المضيئة لأنك ستستفيد أنت، ملتزما بـ “اذكروا محاسن موتاكم”، لا أدري إن كان البعض سيهاجمني لمدى ضعف الحديث من صحته! أو لمناسبته للمقام أصلا أم لا؟!

وكن رجلا إذا أتوا بعده*** قالوا: مر وهذا الأثــر

المصدر: موسوعة ويكيبيديا