يمر الإنسان في حياته بمراحل طبيعية تظهر من خلال جسده وطريقة تفكيره ونظره للأمور من حوله، وكلما صار أكثر قدرة في الاعتماد على نفسه كلما وصف بالنضج، وكلما أحسن التصرف تجاه ما يلاقيه من المواقف استحق مرتبة الرشد.

في الحياة قوانين تضبطها، وتنظم علاقات الناس وتبين حقوقهم وواجباتهم، مهامهم وأدوارهم، هذه القوانين ولو ارتضاها الإنسان فهو مخير على اتباعها أو رفضها، ورشده هنا هو دليله فإن أدرك رسالته حق الإدراك فإنه سينجو، وإن اتبع هواه فسيهلك ويضيع وينتهي به الحال حائرا تائها.

الرشد أغلى ما يطلبه الإنسان في دعائه حينما تشتد به الظروف، وتقل أمامه فرص النجاة، فهو كآلية دقيقة في عقله تنتج الرأي السديد، وتمنح له الإشارة بوضوح ليقبل أو يدبر، يتقدم أو يتأخر، خاصة حين تكثر السبل وتتشابه الدروب في منطلقاتها بينما تختلف كليا في خواتمها.

الرشد أن يفكر الإنسان أو المجتمع بوعي وحكمة، فيتجاوز منطق اللذة في اتخاذ القرار، ولا يسقط أسير المتعة في اختيار الوجهة، أن يرتقي فوق عالم الأشياء والأشخاص ويحلق في الأفكار، ألا يبني مجده على حساب غيره، وإن فعل فلا يجحد الفضل، أن ينقد ذاته، ويسعى لخدمة غيره متواضعا معترفا بالتقصير والقصور.