لا شك أن كل من ذاق حلاوة العمل ضمن “فريق” يستشعر تلك اللذة والمتعة في تحقيق أهداف تبدو لأول وهلة صعبة المنال، كما يصطدم أحيانا بجملة أسئلة تحيره وتزيد من قلقه، خاصة وأن ظروف العمل تفرض علينا وتيرة غير مستقرة، فأحيانا في تصاعد وتارة في تنازل وانحدار.

وهنا يكمن سر العمل الجماعي كفريق، إذ يتم التعاون في حمل ثقل الأهداف المادية والمعنوية الذي لا يمكن لشخص واحد تحمّلها مهما كانت قدراته العقلية والجسدية، فالإنسان في الأخير طاقة معينة، له قدرات محدودة ولو تفاوتت نسبيا، وإن بدا لنا في قصص النجاح التي نطلع عليها هنا وهناك أن فلان قاد شركته للريادة، وفلان رجل تاريخي أكسب تلك العلامة التجارية مجدا وتاريخا وقدرا.

نعم المشاريع تقوم على الرجل، فهو الذي يلهم من حوله ويتحمل شارة القائد ويتصدى في الصدارة للظروف السلبية والإيجابية، إلا أن هذا الرجل لا محال يكون ضعيفا وحيدا، قويا بمن معه، من أقرب الناس إليه اجتماعيا إلى من هم كذلك مهنيا ووظيفيا، وفائدة العمل في مجموع لا ينكرها أي شخص مهما كان، كما يصعب أن يستغني عنها من عاشها فعلا، فمن يملك فريق عمل جيد فقد امتلك أكثر من نصف الطريق للنجاح، والرجل المناسب عملة صعبة أعيت الكثير ممن يشكو غيابها، وحتى صلاتنا لله عز وجل حينما تكون جماعة تفضي لخير كبير وفضل أكبر من صلاة الفرد، وما العمل المخلص إلا نوع من أعمال العبادة.

والذي يضمن استمرار الفريق ويحفظ له استقراره ونموه للأفضل دائما هو اجتماعه دوريا، وتوفر الحوار بين أفراده مهما كان دور كل منهم، مع التركيز على الوضوح ومحاولة نفي أي جانب من جوانب الغموض، وإن نحن تحدثنا عن فريق العمل لا نقصد به ذلك الفريق المنسجم في المظهر، المفكك في المخبر، وما غياب المعلومة والتواصل بينهم إلا عامل مهم من عوامل تهدّم محتمل في أية لحظة.

لا يكفي أن يجتمع فريق عمل في أية مؤسسة أو منظمة ليضمن النجاح، إنما هناك أمور لابد من مراعاتها، ونظم لا مجال لإغفالها، قد تحدثت عنها من قبل في [تدوينة سابقة] فإن نحن اهتممنا بتلك المؤشرات تجنبنا الوقوع في إشكال اقتطاع أوقات ثمينة من مهامنا الوظيفية لنجلس ونتحدث ثم نقوم بعد ذلك، ولم نجن إلا الثرثرة والفضفضة دون أي معنى أو هدف.

هذه المرة أتناول فوائد الاجتماع وانعكاساته الميدانية وآثاره النفسية لدى الفريق، إذ تتجلى ضرورة الاجتماع في كونه فرصة الإجابة عن إشكالات العمل اليومي التي تطرأ لا محالة من حين لآخر، إضافة إلى اعتباره ملتقى الأفكار المتضاربة المتعددة لتتلاقح وتفرز أفكارا وآراء فعالة عملية مبنية على حوار ونقاش جاد، هذا طبعا إن كان الفريق يعمل بمبدأ الإنصات لكل الآراء وتغليب الحق مهما كان مصدره، ولم يسقط في مطب من يأخذ بكلام “المدير” على كونه مطلق الحقيقة وإن كان مجانبا للصواب، أما رأي الموظف البسيط فلا يعد أن يكون ملء فراغ وإن جاء بالفكرة النيرة الفعالة، وهذا مرض مزمن أصيب به الكثيرون.

اختلاف الأعمار والمستوى الثقافي بين أعضاء فريق العمل يعتبر إثراء وإضافة نوعية إن نحن استثمرناها إيجابيا، فالأخذ والرد بينهم يجعلهم يتشاركون معلومات جديدة كل مرة، ويصححون مفاهيم متداولة بينهم بفعل ذلك النقاش حينما يكون بنّاء منظما، وبفضل تنوع مهامهم ودوائر نشاطهم، فالعامل خارج المكتب له معطيات ومعلومات جديدة عن الذي في المكتب، والمبحر في الإنترنت ليس تختلف مشاربه عمن لا يستعملها، والمطالع للكتب أثرى زادا من غيره وهكذا…

ومن مزايا اجتماع فريق العمل تداول المستجدات ومعالجتها بما يخدمه، فمنها ما يأتي مبرمجا وهو الأفضل، ومنها ما يكون طارئا تفرضه ظروف معينة، فالاجتماع أصلا هو أولى خطوات الحل إن كان هناك مشكل، ونقطة انطلاقة التحسين -وهو المطلوب دائما- في أدائنا ووظائفنا، كما يعتبر أفضل طريقة لإعادة شحن العزائم وشحذ الهمم والتذكير بالمبادئ والمنطلقات، وحجم التحديات والأهداف المبتغاة، فتعطى بذلك جرعة إضافية تجدد بها روح العمل وتدفع بالفريق للأمام، زيادة على دور لا يقل أهمية مما ذكر ويتمثل في ترقية مستوى الأداء والتكوين والتدريب لإتقان نظم العمل والتحكم في الوسائل والآليات.

إضافة لذلك هناك أثر مهم أيضا هو إنارة بعض الزوايا التي أظلمت على أي عضو من الفريق، إذ يمكن أن يتم توضيح ما أشكل، وتفسير ما أسيء فهمه ربما، وإن استلزم الأمر تصاعد حدة النقاش فليس هناك مشكل عندما يصب في فائدة الفريق، فالإخلاص في النية هنا يلعب دورا هاما، وفي هذا السياق يقول المفكر مالك بن نبي رحمه الله:

“العلاقات الاجتماعية تكون فاسدة عندما تصاب الذوات بالتضخم فيصبح العمل الجماعي المشترك صعبًا أو مستحيلاً، إذ يدور النقاش حينئذ لا لإيجاد حلول للمشكلات، بل للعثور على أدلة وبراهين” …..مالك بن نبي, (ميلاد مجتمع)

الاعتناء بالحالة النفسية مهم جدا لكل عضو في فريق العمل، والمحافظة على نسق واحد مستقر للمزاج أمر مستحيل نظرا لطبيعة الإنسان المركّبة إذ تتحكم فيه جملة عوامل خارجية وداخلية تنعكس على تصرفاته باستمرار، وأفضل وسيلة للجمع بين الحسنيين هو الاجتماع واللقاء والحوار والنقاش المتواصل، ولا يقتصر هذا على فريق العمل، بل حتى بين أفراد الأسرة في البيت، والناس في المجتمع، والشعب والحكومة في الدولة، وهذا من أهم عوامل تحقيق الانسجام.

الموضوع ذو شجون، وسأحاول التفصيل أكثر في كل ما يتعلق بـ “فرق العمل”، وفق تجربة قصيرة أضعها هنا لأستفيد بالدرجة الأولى من مناقشاتكم وتعقيباتكم، كما أرجوها مساهمة في إضاءة هذه الزاوية ممن لا زال يرى من اجتماع فريق العمل حاجزا في واقعه، ويعتبره حكرا على كبرى الشركات، فالقضية أبسط مما نتصور بالتأكيد، وإلى موضوع آخر في مجال إدارة الأعمال إن شاء الله… أبلغكم سلامي.