بعد مرور أكثر من نصف العام يمكننا الحديث عن بعض الآثار والنتائج والتغيرات التي كانت السمة الأبرز هذا العام بسبب أزمة كورونا، بعدما تحدثنا سابقا واطلعنا على بعض المؤشرات والقراءات والتوقعات باختلاف المستويات والأحجام والمجالات وحتى الخلفيات المعرفية والتقنية..

سأحاول تلخيص المشهد في نقاط محددة باعتبار أن كل منها تحتاج لكؤوس شاي أو جلسات عملية.. لتفاصيل أكثر..

هناك عدة مستويات من الأزمة، ولا يمكن المساواة في الحكم والتصور بين أصحاب الاستثمارات الضخمة وبين المشاريع الصغيرة البسيطة، فلكل حلوله ومسارات خروجه من الأزمة دون مقارنات مجحفة.

هناك من أخفى تأثره من الأزمة وفضل العمل على الخروج منها في صمت، كما أن هناك من أفصح عنها بشكل مبالغ للحصول على بعض المراعاة والشفقة متهربا من التزاماته، وهناك من بالغ في إنكارها رغم تأثره بها في العمق، وهناك من تعامل معها بواقعية وواجه مصيره بكل شجاعة.

ظهرت الخلفية الدينية والفكرية على حقيقتها في طريقة التعامل مع الأزمة، وانكشف الكثير من الزيف في التصرف مع الرزق والاستثمار وتقبل احتمالية الخسارة، ولم يتعلق ذلك بالمظاهر التي اعتادها الناس.

 تسببت الأزمة في عرقلة سير السيولة المالية وبطء انتقالها بين مختلف المتعاملين، وظهر التماطل بقوة بين من تأثر حقيقة وهو ضحية جهات لم تلتزم ببرامجها.. وبين من اتخذها حجة ومبررا، فضلا عن الأداء السيء والبنية التحتية الرديئة في الجزائر.

 تآكلت الكثير من الأصول الاستثمارية للشركات التي كانت متفوقة لوقت قريب، بينما وجدت شركات أخرى فرصتها في تنمية رقم أعمالها بوتيرة عالية بفضل الحلول البديلة وأخرى بالحظ، والفرق بين الصنفين هي المرونة والتأقلم والدقة وسرعة اتخاذ القرار الصحيح، وفوق كل ذلك توفيق من الله عز وجل.

 الأزمات دائما تفرز الغث من السمين، وتظهر معادن فريق العمل، وصلابة أرواحهم، وعمق علاقاتهم، وبقدر ما هي مؤلمة في أوجها، إلا أنها تؤدي إلى نتائج مبهرة، ولا يرى تلك النتائج إلا من اجتاز النفق المظلم وخرج من الجهة الثانية بسلام.

 الظروف الخارجية قاهرة هذا العام ومهما ادعينا خلاف ذلك، إلا أن سوء تعامل الدولة مع أزمة الوباء خلف بيئة اقتصادية سيئة، وواقعا غامضا، تلفه ضبابية قاتمة، مما جعل الكثير يقرون أنه عام للنسيان.. بينما وجد آخرون الوصفة السحرية في التعامل مع هاته الظروف.

 المنصوح في الاستثمار في الأزمات هو الإقدام عندما ينسحب الجميع، والتعامل بثقة القوة والأمانة لمن يملك الأصول، أما من يريد خوض تجربته الأولى فأنصحه بعدم الدخول في الأسواق شديدة الخطورة كي لا يكون لقمة سائغة للقروش والحيتان الكبيرة.

 تحولت هوية التجارة من كلاسيكية إلى إلكترونية، ولم تكن بديلا كليا لها، بل مدعمة ومساندة، لذا من الطبيعي أن تبدو الأمور غامضة في البداية، وربما غير مجدية إلا أننا مقبلون على ذلك بسرعة.. فإما أن نتجدد أو نتبدد..

 لا أفضل الحديث عن عالم ما قبل كورونا وعالم ما بعد كورونا، لأن ذلك يجعلنا في خانة انتظار زوال الوباء وهذا ليس بأيدينا، بل علينا التأقلم وإبداع الحلول لعالم كورونا نفسه، بفرصه ومنحه ومتطلباته.. ولم تتوقف عجلة الاقتصاد يوما في أوج الحروب العسكرية وإن تباطأت وتثاقلت..

 استثمار رؤوس الأموال متاح، والكثير من الفرص الاستثمارية متوفرة ومتواصلة، يبقى عليك الاجتهاد في مهمة اختيار الشخص أو المشروع الكفء، والتوكل على الله فهو الرازق والموفق بعد اتخاذ كل الأسباب..

هذه مجرد قراءات من وحي الواقع.. قد نتوافق عليها وقد نختلف.. ولا أجدني في وضع التخويف ولا التهويل كما أرى هنا وهناك من بعض الخبراء.. والمؤمن المسلم من يخلص عمله ويدرك أن كل شيء بيد الله عز وجل.. مستذكرا مستحضرا معنى: “إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”.. أو كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم.