مع تطور الإنسان وتقدّمه دائما يسعى لتوفير ما يسهل له الحياة، ويوفر له الراحة والرخاء في كل مجال من مجالات عيشه، هذا التطور كان واقعا بما نرى من اختراعات وأفكار بعضها بسيط الفكرة عظيم المنفعة والأداء، وبعضها الآخر معقد أقرب ما يكون للبذخ والفخامة، حيث لا يعتبر من ضروريات الحياة.

حديثي في هذه التدوينة سيتطرق إلى ما هو من ضروريات العصر بالمقارنة مع الإمكانات المتوفرة ماديا وبشريا، فنحن بعد أيام -إن شاء الله- سنبلغ عشر القرن، الواحد والعشرين وبالنظر لما حولنا من الدول والشعوب ممن يملكون ما نملك أو أقل ربما، هناك هوة واسعة وفجوة بعيدة بعد السماء عن الأرض، يكتشفها بالخصوص من عاش الصورتين وزار وسافر ثم وطئت قدمه أرض الجزائر مرة أخرى.

والقصد هنا بالتأكيد ظروف الحياة المدنية للمواطن في دولتنا، ففي مجال الرقمنة مازلنا نزحف بعيدا، معاملاتنا لازالت بالورقة والقلم، لم أفهم لحد الآن من يسر ّهذا الوضع، وفي صالح من يكون؟ سأحاول أن أعدد بعض المظاهر من باب المقارنة، وأترك لكم الحكم بعد هذا…

  • مواقع الأنترنت: في دول أخرى لا أقول أوروبية ولكن عربية يتم التواصل بين المواطنين والحكومة بالموقع الإلكتروني، يدخل رقمه التسلسلي ليجد ملفا كاملا تعريفيا له، يخوّل له استخراج مختلف وثائقه القليلة بواسطة الطابعة المكتبية المتوفرة لديه، كما يمكنه ذلك أيضا من معرفة رصيد استهلاكه للكهرباء أوالماء أوالغاز أوالهاتف و.. ودفع الفواتير من نفس الموقع دون النهوض من الكرسي حتى. هذا عندهم ولك أن تقارن أخي الكريم ما يحدث لدينا، في ذلك الخصوص، مواقع الانترنت وإن وجدت فستجدها تشتغل أسبوعا واحدا في العام، مصمموها هواة بدائيون، دخولك للصفحة الرئيسية إن كنت محظوظا بعد عناء، يشعرك يالغثيان من سوء استعمال التقنية في البرمجة والتصميم، الموقع فقط تعريفي وليس تفاعليا معلوماته قديمة جدا، هذا الأمر يحدث لمواقع وزارات عندنا تغير وزراؤها عدة مرات دون تحديث حرف واحد في الموقع الإلكتروني.
  • ملفات الوثائق: هذا المحور يستحق وحده مقالا منفصلا، وسأحاول هنا أن أتطرق له بالمختصر المفيد فقط، ففي دول أخرى ينزعج مواطنون من قضائهم لساعتين في مصلحة ما لاستخراج ملف كامل معين، أما عندنا فعليك أن تبتسم وأنت تمضي شهورا في انتظار وثيقة واحدة من ملف كبير جدا، وهذا ما يحدث لي حاليا.
  • البطاقات التعريفية: بطاقاتنا مكتوبة بخط اليد، وموظفو البلديات هنا يكتبون عليها المعلومات أيضا بتذمر شديد وبخط أيديهم الرديء أيضا -إلا من رحم ربك-، أما في أحسن الأحوال فهناك ألة الراقنة (Dactylo) التي أنا حائر لحد اليوم في بقائها حية وعدم اندثارها باجتياح الكمبيوتر الكاسح، أظن أن مستوردها ومستهلكاتها يسترزق منها لذا لم يريدوا أن يقطعوا عنه خبزته، أما عن المشروع البيومتري الذي أكلت به الصحافة مادة طازجة لشهور، وألهى المعنيون به الشعب وأطالوا أمله به، فأقول لهم، تمخض الجبل ولم يلد حتى فأرا، الناس في العالم بدأوا المشروع كفكرة وهو يتنعمون به منذ أعوام، فيما بقي إخواننا هنا في مستنقع التجارب يخترعون القصص لتمديد أجل المشروع لأنه كغيره يوفر منابع مالية لهم تزول بإنجازه.
  • البطاقات الإئتمانية: هذه التكنولوجيا البطيئة جدا، في بلادنا، ففي عرفنا من يملك تلك البطاقة هو رجل أعمال من أعلى طراز، فيما يملكها أي شاب في دول أخرى منذ نعومة أظفاره، ويتعامل بها في كل مكان بكل سهولة وسلاسة، فيما مازلنا في مشكل الأوراق المالية المزورة، ونقص السيولة، هنا يخترعون قوانين فضائية ويطبقونها دون مراعاة لواقع الشعب، لأنني أعتقد دائما أن المشرّعين لدينا يعيشون في فرنسا أو كندا أو غيرها، ويستمدون قوانينهم من أبنائهم حينما يشاهدون حصة تلفزيونية هناك حول ذات الموضوع.
  • المجمعات التجارية الكبرى: ثقافة مازالت غائبة جدا هنا إلا ما يعد على الأصابع، لا نظرا لمصلحة الشعب المسكين، لأنه ربما سيأتي شخص ويعدد لي سلبياتها، فشخصيا جربت الطريقتين التقليدية والعصرية في التسوق، أميل للأخيرة والتي أداتها المجمعات التجارية الكبرى، لأني أحب أن يكون التسوق جزء من متعة الحياة، لا معركة مع بائع جاهل ورث محله القديم من جده الخامس، التجارة ابتسامة وحسن استقبال، ثم بعد ذلك يأتي الربح المادي والمعنوي.
  • اللافتات والإشارات: هذا المجال تطور كثيرا وأصبح الناس أكثر راحة باستعمالها، لكننا في الجزائر نجد الرجل مازال ينوب تلك التقنيات، شاب واقف منذ الصباح الباكر يوجه الناس لباب الخروج الذي كتب فيه (دخول)، توجيهه بأسلوب فظ كذلك، مالمانع لتعليق لافتة بسيطة تعوض كل ذلك المجهود الضائع؟ كذلك نفس الأمر في المعارض حيث تجد نفسك تائها دون لافتة اتجاهات تفيد بذلك، وعندما تهم بالخروج مثلا من باب ينتهرك شخص لم يعلق أي شارة بكونه موظف هناك ومسؤول عن حركة مرور الناس، ثقافة “اللافتة” ضعيفة جدا عندنا رغم توفر التقنيات البسيطة لها.

هذا ولا أتطرق مثلا لمجال السياحة، والتقنية في المطارات، والطرقات بل أكتفي بهذا القدر من الصور التي أتمنى أن تجسد عندنا في الجزائر، مع توفرها في غيرنا من الدول -أقول إنها أقل منا إمكانيات بشرية ومادية-، فخيرة مهندسي تلك الإمكانات جزائريون لكن عطاؤهم واجتهادهم يذهب هناك لما رأوا مكانتهم محفوظة وقيمتهم محترمة مصونة.

التقنية عندنا في الجزائر ضعيفة جدا حكوميا، قوية عند الخواص لو تلاحظون معي هذا، ولكم أن تبحثوا في غوغل عن المواقع الحكومية الخليجية مثلا، وترون ذلك الحوار الجميل بين الدولة وشعبها، وذلك القرب بين القيادة والرعية، سهولة ظروف الحياة حلم يتمناه كل جزائري، والكثيرون ممن لم يجدوه هنا حاولوا إيجاده في غيرها من البلاد، لأن الإنسان مجموعة عواطف، وشرفه وقيمته كل ما يملك فإن لم يجدها في مكان بحث في آخر.