افتح هاتفك بداية كل صباح أو إحدى القنوات الفضائية لتقابلك دون استئذان أخبار الأوبئة والحروب، فما إن تعافى العالم من كورونا، حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، وتعالت التهديدات الأمريكية الصينية في تايوان، والمناوشات والملاسنات الجزائرية المغربية، ولاحت أزمة الغاز والطاقة في أوروبا، واحتمال اللجوء للأسلحة النووية والدمار الشامل، وفي كل دولة هناك ما يزعج ويقلق ويبث الذعر.

من ابتلاءات إنسان هذا العصر عيشه في دوامة من الخوف والتخويف، وتحت رحمة الأخبار العاجلة من مختلف القنوات الفضائية أو الافتراضية، ومن مجموعات واتساب أو فايبر أو ميسنجر أو غيرها من نوافذ متنامية بشكل رهيب.. الحرب قادمة، المجاعة وشيكة، الأزمة آتية، وغيرها من مستنزفات المزاج وما بقي من رصيد قليل بالكاد يؤهله لعيش يومياته بشكل طبيعي، عزاؤنا كمسلمين في كل ذلك إيماننا بقضاء الله وقدره، وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.

أتساءل دائما عن سر ميل الناس للتنبؤات السيئة؟ ولماذا يكثر الخبراء والمحللون في كل ما يتعلق بالتخويف والتهويل؟ وهل البطولة في ذلك؟ أم هناك ما يشفي غليلهم ربما، أو يحقق ذاتهم؟ أو يمنحهم الرضا النفسي؟ المردود المادي؟ لماذا تنتشر أخبار الخوف بشكل أسرع مما يحدث فيما هو إيجابي؟

قديما عاش الناس في هدوء نفسي في قراهم ومزارعهم بغياب وسائل الإعلام، وكانت أسوار مدنهم العريقة حاجزا منيعا أمام الأعداء والغارات البشرية، والأهم والأولى من ذلك أن ردت عليهم رياح الأخبار المحبطة وأنباء الخوف والتخويف، إلى أن حاصرتنا المعلومة الزائفة حصارا، واحتلتنا الأخبار السلبية احتلالا، ولا مهرب ولا ملجأ منها أمام فضول الناس وميلهم إليها ميلا غريبا مريبا.

متابعة الأخبار والوقوف على المستجدات والاطلاع بوعي على ما يحدث حولنا، أمر مطلوب ومحمود إذا كانت المصادر موثوقة ومتعددة، وإذا كانت النظرة متوازنة معتدلة، حيث لا مجال لحسن النوايا، وأخذ الأمور بنوع من البساطة والتسليم والانقياد، وقد طور الإنسان في الدول المتقدمة أنظمة دقيقة في بث ثقافة الخوف وتوجيه الناس نحو أهداف وأفكار معينة باستخدام تقنيات كثيرة لعل أهمها الذكاء الاصطناعي IA.

والآن ماهو الحل الأمثل للتعامل مع مثل هذه الأجواء المكهربة والمسمومة في شبكات التواصل الاجتماعي والفضائيات؟ وكيف ننأى بأنفسنا وأبنائنا وآبائنا وأمهاتنا عن هذه المشاعر السلبية التي نتلقاها طيلة لحظاتنا اليومية؟ وهل مقاطعة تلك الوسائل والوسائط ممكن؟ وسيعتبر حلا عمليا؟ تبدو المهمة صعبة جدا إذا لم أقل مستحيلة.

العمل القاعدي التأسيسي على مستوى الوعي بقراءة الكتب التي تنمي ملكة التحليل وتمنح القارئ أسلحته من أدوات النقد والمنهجية وترتيب الأفكار وتصنيفها في عقله، والاهتمام بالجانب الروحي من عبادات تصون وتقوي الصلة بالله عز وجل، وفرز منابع المعلومة ومصادرها، والقيام بأنشطة رياضية وترفيهية بعيدا عن الموبايل والشاشات، والحظوة بصداقات بناءة تزيد في رصيد الإنسان ولا تستنزفه، من شأنها أن تنقذ ما يمكن إنقاذه، وتحفظ الصحة النفسية، ورضا القلب، وسلامة العقل، وتنمي مهارة الاستمتاع بالحياة كما هي.