كلما كان الأداء الحكومي لأية دولة متعايشا متقاربا إلى شعبها كلما تحقق الانسجام والولاء، وهذا التقارب لا يحدث إلا بتفهم انشغالات المواطن أولا، وبالعيش وفق ظروفه ومعطياته ثانيا، حيث نسمع كثيرا مصطلحات كالشفافية والنزاهة والديمقراطية وغيرها مما يضمن دائما العلاقة بين الطرفين.

لكن واقع الناس حاليا غير ذلك تماما حينما نجد المواطن مواطنا عاديا لكن حينما يتقلّد منصبا هاما في الدولة تتغيّر ظروف حياته ويرتقي ماديا ليكون في طبقة غير التي ألف العيش فيها، ومع توالي السنين يبتعد تماما عن واقع الشعب، وتتغير مطالبه وحقوقه، فلا هو يحسّ ما يحسّون، ولا هو يكابد ما يكابدون نظرا لتوسّع الهوة بينه وبينهم.

هذا الاختلاف ولّد اختلافا في التفكير أيضا، فمضى كل فريق في طريق خاص به، ومع مرور الوقت تبدّلت الكثير من المفاهيم وتطوّرت، ولعل التطوّر الأبرز كان حينما توفّرت تقنيات الكمبيوتر لعموم الناس، بعدها دخلت الأنترنت البيوت وصارت بشكلها البسيط، ثم بدرجة أكبر ظهور الشبكات الاجتماعية وطفرتها وتاثيرها على المجتمعات والأفراد، فمن حكومات العالم من فرضت رقابة غير مبررة، ومنها من أطلقت العنان للأمر دون أدنى دراسة، ومنها من اعتبرت الأمر جدّيا من أول وهلة فصاغت لذلك مناهج تربوية، وكوّنت شبابها بأسلوب منظّم مراقب، وجهّزت مراكز وكوّنت فرق بحث للتأطير والتنظير، إيمانا منها بانعكاسات ما تفعل.

في الجارة تونس قبل مدة قصيرة من اليوم وبالضبط قبل سقوط نظام بن علي كان السلطة تحكم قبضتها على الأنترنت وتفرض منطقها المستبد عليها، بأسلوب رجعي متخلف ظنا منها أنها بذلك ستبسط سيطرتها على شعبها، أما حاليا فقد تبدلت الحال °180، فالحكومة الجديدة تنازلت عن كل قيود الأنترنت وفتحت الباب للمدونين على مصراعيه بل كان الأمر أبعد من ذلك حين رأت ضرورة التقرب للشعب الذي غالبيته من الشباب بفتح صفحات خاصة على موقع الفيسبوك كوزارة الداخلية، ورئاسة الوزراء، ووزارة السياحة إذ هي بذلك تتحدث لغتهم وتفكّر تفكيرهم.

فمتى ستسير وزاراتنا على نفس النهج؟ إذا كان موقع الفيسبوك وسيلة اجتماعية قوية يستمد منها المشتركون معلوماتهم وأفكارهم وقناعاتهم أيضا، ويتشاركون فيها مشاريعهم ومخططاتهم، ولو فتحت فيه وزارة مثلا جسر تواصل مع المواطنين باسطة بذلك يدها لكل ما يزيد فيها من نقد واقتراح وإثراء وتوجيه لمشاريعها، الأكيد بعد ذلك نرى وجها آخر لانعكاس التنمية ميدانيا وتجسيد المشاريع واقعا لا حبرا على ورق فقط، وهذا حلم كل مواطن.

هذا من جهة ومن جهة أخرى لا نسمع عبارة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين المشهورة حينما قالها ذات يوم: “غلطوني” فلا أحد يغلّطك حينما تكون على اتصال مباشر بزبائنك أو متابعيك أو من قلّدوك منصبا وأوكلوا لك مهاما، فهل ستستفيق مؤسساتنا الحكومية وتتفطّن لهذا الأمر؟ لتتدارك تأخرها المريع ببُعدها عن الواقع، وتضع لها صفحات رسمية خاصة على الفيسبوك أوحسابات على التويتر، فضلا عن مواقع الأنترنت التي عادة لا تعبّر عن الحقيقة كونها واجهات مصمّمة وفق ما يريد أصحابها، ولا ترقى التفاعل فيها لما في المواقع الاجتماعية.

هذا الأمر ليس بالجديد فقد سارت فيه المؤسسات الخاصة والمنظمات من قبل ولاقى ذلك نجاحا باهرا، ولكل منا أن يلاحظ في مواقع الأنترنت للشركات العالمية الاقتصادية أو الإعلامية أو الفكرية أو غيرها حين يدخلها ليجد مساحة صغيرة فيها زر “أعجبني” أو “Like” لمتابعي تلك المؤسسة أو المنظمة، وهذا لا يتوقف عند حد الإعجاب فقط، لكن من الناحية التسويقية يعتبر موردا هاما للتغذية الرجعية Feedback حيث تعلم تلك المؤسسة موضع خطاها وترى آثار إنجازاتها لتراقب رد فعل زبائنها ومعجبيها بعدها ولا تكون كأعمى يسير في الظلام.

ففي حين نجد صفحات فيسبوك رسمية خاصة بشخصيات سياسية عالمية مثل الرئيس الأمريكي أوباما مثلا وعلى التويتر نجد حسابا رسميا للأمير محمد بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي، وغيرهم من الشخصيات المتفاعلة بإيجابية مع المواقع الاجتماعية بينما لا نزال في الجزائر نغط في نوم عميق حيال هذه التقنية.

الفيسبوك والتويتر ليسا موقعين ترفيهيين أو للتعارف فقط كما لا يزال يراهما الكثيرون من الناطقين بالعربية، وليسا ميدان معارضة أو ومجال تنديد أو تأييد فقط، بل أصبحا مصدر إلهام ومحكّ تجارب، ومخاض خبرات، هما سلاح ذو حدين ننجز بهما الكثير إن أردنا، كما يكونان وسيلة انتحارنا إن جهلنا أو تجاهلنا قوّتهما وقدراتهما، والله وحده الأعلم بما سيستجدّ مستقبلا.

  • هل تؤيد فكرة فتح المؤسسات الحكومية صفحات خاصة بها في الفيسبوك؟