يجدر علينا قبل الحديث عن هذا الأمر التفكر عميقا، والاعتراف بالتقصير أيضا، فقد درسنا في كل مراحلنا التعليمية أن الماء سر ّحياتنا، ولا يمكن أبدا أن نعيش لحظة دونه، ليس شربا فقط، فالنظافة والصحة والصناعة وغيرها، ببساطة هو المحور الأساسي لكوننا مازلنا على ظهر الأرض ننعم بالحياة.

كان الإنسان منذ القديم حريصا على إيجاد منابع مياه صافية، لتأمين حياته ومصادر رزقه، لكن هذا الحرص يقابله من جهة أخرى عدم اهتمام غريب، فكلما نأتي لتفسير بعض التصرفات التي يقوم بها من يدعي عقلا وعلما وفهما، نجد علامات استفهام كبيرة.

كانت مصادر الماء منذ القديم كافية لحياة كل من على وجه الأرض سواء كان إنسانا أو حيوانا، غير أننا حاليا نطّلع على إحصائيات معتبرة وأرقام مخيفة عن تلوث الكثير منها، سواء بالتسربات البترولية، أو أنابيب طرح فضلات المصانع الكبرى أو الصغرى، أو الأدهى من ذلك والأمر بث قنوات الصرف الصحي مباشرة داخل البحار والأنهار، فمن نصدّق في نوايا مكافحة التلوث؟ وكيف للمعلم أن يقنع تلميذه بهذا الموضوع؟ وكيف للوالد أن يقوم بتوعية ابنه وبنته حول هذا الأمر!

الجشع كان السمة البارزة في انحسار مصادر المياه النظيفة، والتنافس المادي فقط، دون التفكير في العواقب والانعكاسات، فلو نعرض مثلا بعض الأرقام الناتجة عن هذه الأعمال التخريبية ممن يدعون شهادات ودبلومات، ومن خلفهم دعم الحكومات ومعاهد الدراسات العالمية المتخصصة، نجد أن أكثر من 4500 طفل يموتون يوميا بسبب المياه الملوثة، منهم 90% دون سن الخامسة!، هذا ويوجد أكثر من 884 مليون إنسان على وجه الأرض يعتمدون على منابع مياه غير صافية، دون أن نتطرق أيضا لإحصائيات تتعلق بعدد الحيوانات التي تموت كل دقيقة بسبب إهمال الإنسان وجهله كل ما زاد تعلّما وتقدّما.

المياه تستعمل بصفة كبيرة جدا في مصانع الجينز والقطن، والمشروبات الغازية، ففي الجزائر مثلا كانت هناك مشكلة المياه الصالحة للشرب قبل سنوات في ولاية معينة – ولا أدري هل تم تداركها أم الأزمة إلى اليوم – فرغم أن الناس لا يجدون مياها نقية إلا دقائق في اليوم على أحسن تقدير إلا أن هناك مصنعا كبيرا للمشروبات الغازية بماركة مشهورة عالميا تستهلك ما نسبته 40% من احتياجات المدينة كلها! أفلم يكن من الأجدر حينها تقليل النسبة أو توقيف المصنع كليا لأجل حياة الناس؟ فهل المهم في ذلك الظرف الماء أم المشروب الغازي؟، وهناك أيضا مشكلة واد الحراش التي هي من أكبر الألغاز التي تضاف إلى جملة ألغاز أخرى، وكذا مصانع تحلية مياه البحر التي ظهرت بصفة كبيرة في شرق ووسط وغرب الجزائر، مع أن كميات الأمطار الغزيرة التي تنزل كل عام تذهب سدى في مجاري الصرف الصحي أو البحر تكفي لسقي كل القارة الأفريقية رغم فكرة السدود الممتلئة هنا وهناك، والتي بدأت حركتها تدب وتنشط من مدة قصيرة نرجو دوامها وحسن التدبير فيها.

السؤال الآن مادورنا نحن كأشخاص عاديون لا قرار لنا ولا تأثير على مثل هذه القضايا الكبيرة حجما وقيمة؟ أظن أن أول الخطوات هي زيادة الوعي وبثه كل ما سنحت الفرصة، ففي بيوتنا نحسن استغلال المياه، ونقتصد فيها، وفي حقولنا وفي مصانعنا، فالقضية تحتاج لتوعية وتنمية حس لاغير.

وقبل كل ذلك فديننا يبلغنا رسائل الحفاظ على البيئة وكل من يعيش على وجه المعمورة، وربنا يحمّلنا تبعات إفساد الأرض والسعي في خرابها، ومن جملة ما جاء في القرآن الكريم، موضوع الماء بآية صريحة لا تحتاج لأي قاموس أو مترجم،  يقول الله عز وجل: “وجعلنا من الماء كل شيء حي”. فلنقم بواجب الحفاظ عليه لأجلنا ولأجل من بعدنا.

هذه خاطرة حول الماء كتبتها في إطار حملة موقع Blog action day لعام 2010 والتي يقيمها يوم 15 أكتوبر من كل عام، حيث تم اختيار موضوع الماء هذا العام لأهميته البالغة، الحملة تلقى دعما ورعاية من شركات كبيرة مرموقة، وقد شاركت في هذا الحدث أكثر من 4050 مدون ومدونة باختلاف لغاتهم، ينتمون ل 130 دولة، فيما يقرأ ويتابع الحدث أيضا أكثر من 30 مليون شخص عبر العالم، غير أن المشاركة الجزائرية فيها لا تتعدى أربع مدونات وهذا عدد قليل جدا مقارنة بنسبة المشاركة العالمية، مع تسجيل نقص أيضا في المشاركة العربية.

Blog Action Day 2010 Water

الفكرة جميلة يشكر أصحابها، ورجائي منها اقتباسها لمسائل وطنية مصيرية أيضا نتوحد في الكتابة عنها سواء في البيئة أو الحياة الاجتماعية أو المصائب الأخلاقية التي نعيشها كل لحظة، يجدر بي أن أشير إلى باسم: DZ Blog Day فكل الشكر والتوفيق لصاحبها. حيث تكون فرصة لزيادة الوعي وتركيزه، والأكيد أنه لايستوي من يكتب لوحده ومن يكتبون بالآلاف أو الملايين، الصوت يسمع، والصدى أكيد بعدها سيرجع، مجرد حلم ربما يتحقق يوما ما!