يقال إن الكتب المترجمة تفقد بعضا من ثراء معلوماتها، وثِقل محتواها عن ما ولدت عليه في لغتها الأصلية، ربما هذه قاعدة صحيحة نعم، بحكم التجارب والمجربين، إلا أننا تعلمنا أيضا أن للقواعد استثناءات، والتعميم خطأ يقع فيه المنظّرون عادة، فمن المنصف أن نستدرك ونستثني هذا الكتاب.

كتاب (الرجال من المريخ والنساء من الزهرة – MEN Are from MARS, WOMEN are from VENUS) وإن افترضنا أنه من الصنف الذي يفقد شيئا من بريقه حينما يطبع بلغة غير الإنجليزية فهو دسم وقيّم، لا لشيء سوى لكون الموضوع الذي يتناوله فطري في الإنسان، لا يحتاج للغة محددة كي يعبّر عنه، هو جذاب يثير الفضول، عميق يحتاج لشجاعة وذكاء للتعامل مع تفاصيله، ببساطة هو من الكتب التي تهزّ رأسك مرارا وأنت تقلب صفحاته، لا يتكلم إلا بواقعية الحياة على بساطتها، ومنطقية السلوك بعفويته.

هو دليل رائع لفهم الجنس الآخر كما جاء في غلافه، وهو كذلك بحق، قام بتأليفه الخبير العالمي في مجال التواصل والعلاقات د.جون غراي Dr John Gray طبعت منه ملايين النسخ في عدة طبعات متفرقة -أمتلك منه الطبعة 5- إذن يصنف مع أكثر الكتب طلبا في العالم (BestSeller)، ترجمته للغة العربية مكتبة جرير الشهيرة بحسن اختياراتها وترجمتها لأجود الكتب وأهمّها لكبار الكتاب.

ولعل أهم قيمة مضافة جاء بها هذا الكتاب مقارنة بسابقيه أو الكتب التي صدرت بعده كونه لم يتحيز لجنس دون الآخر وأعطى لكل منهما قدره وإطاره، بيّن نقاط القوة بينهما، ونقاط الضعف، قدم وصفات جاهزة وأخرى عبارة عن آليات ومفاتيح للتعامل بين الجنسين من مبدأ كونهما (بشَرا) وطبيعة الإنسان المركبة لا تجعل منا نتعامل معها كأية آلة أو ماكنة.

ومن جملة ما تطرق إليه المؤلف تلك العلاقة الطيبة المستقرة بين الزوجين ماداما في مزاج جيد، إلا أنه حينما يغلب عليها طابع الملل والتحمل بحكم الزمن -وهو أمر فطري- يتم الاختبار الحقيقي الذي عادة ما يصلان فيه لدرجة الانفجار من أحدهما أو كليهما لسوء فهم أو نقص في المعلومات، في حين أنهما لم يكونا على علم مسبق ببعض الخصوصيات التي تميزهما، فللأنثى طبيعتها وللذكر كذلك، ومن المفيد جدا لو اطلع كل منهما على دليل استعمال الآخر قبل التعامل معه، ولا شك أن الكثير من الأمور حينها تكون واضحة وأبسط من تؤسس لأجلها قضية.

لنعد لعنوان الكتاب، فما علاقة المريخ والزهرة بالرجل والمرأة؟ هي صورة ذهنية انطلق منها المؤلف ليضفي مزيدا من التبسيط والتشويق، وليذكّر كل من الجنسين من حين لآخر بطبيعتهما المختلفة، فما إن يحدث تصرف من الرجل تنكره المرأة، أو العكس وقبل الإقدام بأي خطوة يجب استحضار الاختلاف في المنطلق، وكيف أن نساء الزهرة وجدن انجذابا لرجال المريخ وبادلهن الرجال كذلك نفس الشعور، على أن يحترم كل منهم خصوصيات وحريات الآخر، فنزلوا لكوكب الأرض وعاشوا مدة متجانسين متفاهمين، إلا أنهم أصيبوا يوما بفقدان ذاكرة اختياري فكان لزاما عليهم أن يعودوا فيتذكروا طبيعتهم الأولى والاختلافات الفطرية بينهما وهذا ما عالجه الكاتب بدقة وتفصيل.

الكتاب من النوع الذي ينصح بقراءته أكثر من مرة لاستيعاب بعض الأفكار فيه، خاصة لو علمنا أن هذا النوع من المواضيع يقدم بصيغة الدورات التدريبية والمحاضرات ذات الطابع التفاعلي، أما القراءة الفردية فيمكن أن تكون أقل مردودا وثمرا، إلا ان استعمل القارئ جهدا مضاعفا في تحليل وتلخيص ما يقرأ، بإعمال عقله في القبول أو التشكيك أو حتى الرفض ربما لبعض الأمور التي يراها بخلاف الكاتب أو لنقل (يعيشها) وليس من رأى كمن سمع، مع أن الكاتب نفسه للأمانة يعترف بعدم إدعائه الحل لكل المشاكل الزوجية خاصة تلك التي لا تعود أساسا لقضية الفهم بين الجنسين.

من الملاحظ في حياتنا أن نجاح العلاقات الزوجية وفشلها لا يتعلق أساسا بمدى المستوى الثقافي للزوجين، والأمثلة على ذلك قائمة وماثلة رأي العين، إنما يحصل التوافق عادة حينما يهتدي الطرفان إلى طريقة التعامل المثلى بينهما، والأخلاق أهم عامل يساهم بقدر كبير في إنجاح العلاقات، فمن امتلك صفة التنازل وحكمة التصرف وفن الإنصات ورزانة التعامل ورجاحة العقل ولو كان أميّا لم يدخل المدرسة يوما، فسيعبر الضفة بسلام رغم كل الأمواج، ويصدّر أمثلة رائعة للحياة الزوجية الناجحة، ومن خانته شخصيته في مثل هذه العقبات فسيغرق ما لم يتفطن ويستدرك، والله قبل ذلك وبعده الموفق يفعل ما يريد ويقدر كيف يشاء.

النجاح في مشروع الزواج لا يكون بناء على علم المنطق وحسابات الرياضيات ومعادلاتها، إنما يأتي بفهم كل طرف لشريكه فهما جيدا، وقبل ذلك على كل منهما أن يفهم نفسه أولا ويتمرس قيادتها ثم بعدها يمكن أن يفك شفرات الجنس الآخر ويتصرف حياله بحكمة وإحسان.

يبقى أن أشير إلى أن هذا الكتاب قد أخذ شهرة عالمية لجودة محتواه وتميز فكرته، فكُتب عنه الكثير، واستُلهمت من خلاله العديد من المحاضرات والدورات التدريبية، فقط أنصح المتزوجين بالاطلاع عليه ولو قد سبق لهم قراءته قبل الزواج، فشتانا بين القراءتين وهذا ما وقع معي شخصيا 🙂

في الأخير هذه محاور الكتاب:

  • الرجال من المريخ، النساء من الزهرة.
  • السيد الخبير ولجنة تحسين البيت.
  • يذهب الرجال إلى كهوفهم وتتحدث النساء.
  • كيف تحفز الجنس الآخر؟
  • التحدث بلغات مختلفة.
  • الرجال مثل الأحزمة المطاطية.
  • النساء مثل الأمواج.
  • استكشاف حاجاتنا العاطفية المختلفة.
  • كيف تتفادى المجاملات؟
  • إحراز النقاط مع الجنس الآخر.
  • كيف تنقل للآخرين مشاعر سيئة؟
  • كيف تطلب الدعم وتحصل عليه؟
  • الإبقاء على سحر الحب حياً.