سألني مهتم ذات يوم عن مصادري فيما أكتب، وكيف تأتي الأفكار، وكيف أنتقي المواضيع، وهل يمكن أن يصبح يوم ولا أجد فيه ما أكتب؟.. لم يكن سؤاله ليمر علي دون أن أتأمله، وأحاول من خلاله مواجهة نفسي في المرآة، فهل حقا أملك الجواب؟

استجمعت قواي، وجمعت شتات أفكاري، فخلصت إلى أن المواضيع متزاحمة جدا بحكم التخصص والاهتمام والاحتكاك والتفاعل مع الأحداث واليوميات، ولكل قضية تمر أمامي أجدها فرصة خصبة للكتابة، ولعل أبرز مثال لذلك ما تعلق بظلم اجتماعي قد أفرز قضايا ومواضيع أعتبرها مجرد أعراض لما قد نعتقد أنه أصل المشكلة.

هنا أبدأ في محاولة فهم الظاهرة، والقراءة عنها مستعرضا تجارب من سبق، في التحليل والسعي نحو الحل، وفي الحديث عن من سبق فأنا منفتح على كل الخيارات المطروحة أمامي ومختلف التوجهات الفكرية والدينية، مستغرقا وقتا كافيا دون استعجال، وغالبا ما أزداد ضياعا وحيرة، إلا أني أقترب من التفسير الأكثر منطقا وأعمل على كتابة ما توصلت إليه، لأنشر منه القليل وأحتفظ بالكثير..

وما يزيد العقل حيرة أنه في زمن الشعارات والغلبة للأقوى صوتا وسلطة وحفظا واستحضارا للآيات والأحاديث والقرائن، نجد هناك في عمق المجتمع مقهورون لا يملكون وصفة التعبير عن معاناتهم، لأسباب عدة أخطرها وأكثرها سيطرة أعراف غلفت بغطاء ديني ناعم، وقنوات مسدودة لتبليغ معاناتهم بالشكل الأنسب.

فقبل الحديث عن قلوب حائرة وعقول ثائرة وانحرافات وخيانات حقيقية أو افتراضية، وقبل أن نتسرّع في وصف كل ذلك بالمغامرات العاطفية غير السوية التي تحدث خلف الأسوار، كبحث عن المتنفس والبديل، وقبل تهويل الواقع بما تسببه التقنيات الحديثة من انزلاقات للأسرة والفرد، قبل ذلك وجب علينا أن نتحلى بشجاعة تشخيص الأمراض الحقيقية، حينها فقط ستقل حدة الأعراض.

الكتابة رسالة ومعاناة كلما لامست الحقيقة، وكانت أقرب للصراحة والمواجهة، والإنسان بطبعه يتهرب ويتجاهل ما يفضح حقيقته، ويضعه وجها لوجه مع أسباب فشله، حتى صارت المجاملات نوعا من المخدرات التي تمنح نشوة مؤقتة للمجتمع كله أحيانا، حتى صار البحث عن كل محتوى يمدح تاريخا أو حاضرا إنجازا يخفف الآلام ويسكنها إلى حين.

لا يكفي أن تحمل كإنسان شعار الحضارة والالتزام والهداية وخلفك من يبكي ويتألم ويئن، تنام الليل وهو يدعو عليك وعلى من سن سننا لا تؤدي إلا إلى جحيم في الدنيا وآخر أكثر في الآخرة..

قلت لسائلي.. سأظل أكتب وأتوسط وأنصح وأوجه.. رغم صعوبة المهمة.. رغم قساوة المخاطرة.. ورغم كل شيء.. لعل حروفي تسهم في القليل من التغيير.. وهكذا الحياة وإلا فلا معنى لها..