حظيت يوما بلقاء مع شخصية ملهمة، واحدة من بين أهم من تركوا -ولا زالوا- أثرا عميقا في تفكيري ورؤيتي للأمور حولي، ومن جملة ما حوته الجلسة الثرية جواب حمل عني ثقلا طالما جثم في ذهني..

سألت أستاذي عن مدى التقدير والثقة التي أمنحها لكل شخص يعتلي المنبر، والمجال الذي أمنحه له في مصداقية معلوماته، واستحقاقه لدرجة الاستشارة والتوجيه والإفتاء.. في ظل وجود نماذج سيئة جدا، وأخرى لا تثبت على منهج محدد، وفئة لا منهج لها أصلا..

أجابني بهدوئه وحكمته.. عليك يا جابر أن تفرق بين العالم المجتهد، وبين الإنسان الذي يحفظ ثم يحكي ما يجمع من هنا وهناك ليلقيه بأسلوب قد يكون مؤثرا ومغريا.. المجتهدون المجددون قليلون جدا، قد لا تراهم في المنبر إلا نادرا، بينما الصنف الآخر متوفر لحد التخمة لدينا، وفي كل منهما المصلح والمدمر.. (انتهى كلام أستاذي).

إذا كنا أكثر دقة، فهم ما اصطلح عليه المشارقة بالدعاة وهم من يعتبرون اللسان والابهار في الإلقاء سلاحهم الأبرز، وهم صنفان.. دعاة يعرفون ما يقولون، يحترمون العلم، يفهمون الحياة بتعقيداتها، فطنون في السياسة، يفرقون بين الجودة والرداءة، مخلصون لا تغريهم مظاهر القداسة ولا ينتشون بصدارة المجالس، ولا يؤلمهم إن حدث وابتعدوا عنها.. وهؤلاء غالبا يعانون..

بينما هناك صنف يستثمرون في تلك الوجاهة ويندسون متسللين متسلقين متلونين، تبدو على محياهم كل مظاهر العفة والورع بينما يعرفهم من هم أقرب منهم بما يندى له الجبين.. يرتكبون أخطاء جسيمة في حق الضعفاء ولا يعترفون، بل يتمادون ويحظون بالمزيد من التقدير والتكريم..

مؤسف أن تغلف السذاجة مواقف أشخاص يضعون أنفسهم وسطاء بين الله وعباده وما أعظمها من مسؤولية، ومؤسف أن يحمل لواء الدعوة من لا يقوى على ضبط أبسط قواعد المنهج.. ومؤسف أكثر وأكثر أن يتجسد الدين فيهم.. وتنعكس صورة التدين في سلوكهم كقدوة ومثال..

عاد أستاذي لينصحني.. لا تغرك المظاهر، ولا تتخذ موقفا نهائيا من أي إنسان مهما كان مادام حيا يرزق..