لم يكن المجتمع يوما بيئة مسالمة حاضنة للإبداع والتجديد والتحسين، بل عانى الأوائل كثيرا من أقرب الناس إليهم، ونالوا منهم الأذى، وذاقوا على ألسنتهم كل ألوان القذف والتشكيك والاتهام بالعمالة تارة، والمكيدة تارة أخرى..

عندما أقرأ ذلك في سير من سبق وأتأمل حصيلة جهدهم، أشعر بنسمة منعشة تصافحني، وراحة نفسية تظلني، ودعم لطيف يدفعني لأواصل دربي رفقة من أعتمد عليهم وأستأنس بهم وأستنير بهم.. غير آبهين بالناعقين، القاعدين عن العمل..

نصحني والدي حفظه الله يوما بزاد الإخلاص.. ولا زال يوصيني به كلما لجأت إليه شاكيا مثقلا.. فمن كان يعمل ليثني عليه الناس فقد أخفق، ومن تحمل مهمة اجتماعية ليجد منها ما يسره فقد أخطأ..

النقد العبثي دائما ما كان حاضرا على ألسنة زمرة من الأغبياء، يدعون الغيرة على المجتمع وهم أسوأ من قد يدافع عنه، لا يفرقون بين مبادئ وآليات، ولا يملكون شيئا من أبجديات التحليل ولا معايير التقييم، إلا أنهم فرصة لاكتشاف المزيد من الرداءة فيمن ينجر وينساق معهم معلقا متحمسا..

كل إنسان يحسن رص بعض الكلمات يمكن أن يدعي الحقيقة ويوزع “التيكيات” هنا وهناك، إلا أن العاقل الراشد وحده من يفرق بين الغث والسمين، من يمسك لسانه عن الكلام حينما تخونه يده في المشاركة والفعل.

العمل الاجتماعي ليس نزهة.. وليس فسحة.. لا يحيا فيه من حاز قلبا صغيرا.. إنما هو ميدان تدافع واجتهاد.. فرن يتصبب صاحبه عرقا كلما اقترب منه.. لا يتحمل لهيبه إلا من آمن حق الإيمان، وصبر حق الصبر، وأخلص حق الإخلاص..