كانت لي في الأسبوع الماضي جولة استطلاعية إلى معرض الجزائر الدولي المقام ككل عام بالعاصمة، فخرجت منه بجملة انطباعات منها الطيبة وهي الأغلب ومنها المؤسفة وهي النادرة لكنها تحتاج لوقفات وتحليلات، خاصة إن علمنا أن الجزائر لازالت تخطو خطواتها الأولى في تنظيم مثل هذه الفعاليات.

الزيارة كانت مع صديق لي جاء من مدينة بعيدة جدا عن العاصمة (حوالي 600 كم)، قصد الاستفادة والاطلاع على الجديد، وكعادة الإنسان فقد كنت زاهدا في زيارة المعرض رغم وجودي في العاصمة وبمسافة قريبة منه، في حين كان هو أكثر اهتماما مني، فشجعني وكانت رفقة طيبة قضينا خلالها لحظات مفيدة لم أندم عليها.

كنظرة عامة فالمعارض في الجزائر في تطور مستمر شكلا ومضمونا، وهذا عائد بالدرجة الأولى لتوفر الأمن وعودة المستثمرين لعرض جديدهم براحة أكبر، وكذلك للخدمات الجديدة التي بدأت بوادرها تظهر عندنا كالاهتمام بالمظهر والديكور للأجنحة والمرافق، زيادة على السوق الجزائرية المشجعة والمثمرة، هذا التطور شابته بعض العوالق التي كانت ضريبة السعي وراء كل ما يلمع، فصرنا نرى مشاهد يعتقد أصحابها أن الحضارة والتقدم لا يكتملان إلا بها.

الجميل أن حاجز الخوف من زوار المعرض الذي كان في وقت مضى يخيم على أعوان الحراسة قد زال بشكل تام تقريبا، فلا تحس الآن وكأنك داخل في ثكنة عسكرية أو مبنى للمخابرات، الابتسامة بدأت بوادرها تنمو وتبدو، وحسن الاستقبال أخذ يعرف طريقه أيضا والحمد لله، ربما لأني اخترت وقت الزيارة الخاص للمحترفين صباحا عوض عامة الناس إذ خصصت لهم الفترة المسائية؟ الله أعلم.

في جولتي أنا وصديقي بين ثنايا المعرض الفسيحة وأرجائه، لفت انتباهي شكل الأحنجة وديكورها المتميز، منها الأصيل ومنها العصري، منها البسيط ومنها المعقد، في لوحة فنية رائعة تفنن أصحاب الشركات العارضة في تقديم أنفسهم لكل مهتم بالمجال أو حتى مجرد الفضوليين أمثالي أحيانا، تلمس من خلال ذلك التزيين لجناحها وكأنهم يرحبون بك دون أن يتكلموا، ويدقون باب أسئلتك واستفساراتك دون أن يطلبوا ذلك منك.

مع هذا التباين في جمالية الأجنحة، هناك تباين آخر في ممثليهم التجاريين الذي وظفوهم هناك وسخروهم لاستقبال ضيوفهم، فمنهم المبتسم ومنهم المكشر، منهم الشاب ومنهم الشيخ، منهم من لم يطمئن إلا لما وضع في جناحه فتاة تستعرض مفاتنها أكثر مما تعرض خدمات شركتها، فاللمسة الغربية واضحة في كل حركاتها وسكونها، ورغم كونها جزائرية فهي تتظاهر بعدم فهمها للغتها الوطنية وتطلب الحديث باللغة المحببة لديها تلك الأيام فقط وهي الفرنسية آسفة على حال من لم يتعلمها، ففي تصورها أن المشهد لديها لا يكتمل إلا إن تحدثت بما يناسب لباسها وحتى خطواتها!

أحنجة شركات جزائرية أخرى وكأنها قد فازت باقتدار في اختبارات الأداء في إحدى الدول الغربية لتسيير أنشطتها، فالموسيقى الصاخبة والرقصات والضوضاء لأجل إقناع الناس بمنتوجاتها، حتى أن رب الأسرة المحترم يخجل من الدخول إليها مع أسرته أو حتى التجول في محيطهم، لما فيه من تسيب وهرج ومرج… إلخ، فالشخصية والهوية والأصالة مصطلحات غريبة لدى هؤلاء، أو كاحتمال أفضل أنها تمثل لهم ما له علاقة بألوان الأحمر والأبيض والأزرق عوض الأخضر!.

مع كل هذا هناك أجنحة جزائرية أو أجنبية لها أصالتها وهويتها، تقدم أرقى الخدمات، تشرف كل زائر لها، وتزيده فخرا بما يجده فيها، فأملي أن تكون هي القاعدة في المعارض المقبلة وما ذكرت سابقا لا يمثل سوى الاستثناء، وذلك بفرض مزيد من القيود والضوابط لكل عارض، بدءا باحترام عادات البلد وأعرافه، دون ابتذال ولا غلو، إضافة لتوفير اللافتات التي كانت عقدة تميز المعارض الجزائرية بحق، فرغم أن الحال تحسن كثيرا، إلا أننا نرجو المزيد.

النقطة الأخيرة السوداء التي علقت في ذهني ذلك التمييز الصارخ من دعاة الحرية، من جهة وغياب الأنفة والسيادة لدى أولي الأمر منا من جهة أخرى لحد الانبطاح، فكل زائر للمعرض وكل عارض هو في درجة أدنى من كونه إنسان إلى أن يصل لمدخل جناح الولايات المتحدة الأمريكية، فهناك يمر بحاجز أمني خاص لا يوجد مثله في أي جناح دولة أخرى، فالزائر مهما كان حينها سيفتش تفتيشا مهينا، كثيرا ما احتج لأجله الزائرون لهم في مطاراتهم ودولتهم، إلا أننا نراه الآن في أرضنا وبين جمهورنا، فهذه إهانة ما بعدها إهانة تتكرر كل عام، لا لشيء إلا لأن من هو داخل جناحهم إنسان والداخلين إليهم كلاب!

وتيرة التطور لمعرض الجزائر الدولي في تصاعد ولله الحمد، فمن عام لآخر نرى جودة في الطرح وتنوعا في الأداء، ونموا لعدد العارضين والزائرين، حتى وسائل النقل الآن قد توفرت بشكل أفضل، خاصة إن علمنا أنه بعد أيام قليلة سيتم تدشين خط التراموي الذي يمر ببوابة المعرض، وهذا فتح كبير وإنجاز يدعو للتثمين والذكر، فنصيحتي لكل مهتم بمجالات الصناعة والتجارة والتقنية أن يزور المعرض ففيه فوائد كبيرة جدا.

معلومات سريعة:

  • المكان: قصر المعارض، الصنوبر البحري SAFEX الجزائر العاصمة.
  • أيام المعرض: من 1 إلى 6 جوان 2012م
  • النسخة الخامسة والأربعون تحت شعار: “خمسون سنة من التشييد”.
  • ضيف الشرف: جمهورية مصر العربية. ممثلة بـ: 61 شركة.
  • عدد العارضين: حوالي: 1000 شركة من بينها 565 عارض أجنبي من 28 دولة.
  • عدد الزائرين: 200 ألف تقريبا.

المصدر:

– جريدة الخبر

– الإذاعة الجزائرية

– الصورة: [فليكر]