فيسبوك لم يعد ذلك المكان الممتع المفيد كما كان في سابق عهده، هي عقدة الحنين إلى الماضي تفرض نفسها حتى في العالم الافتراضي، ولم أكن لأصل لهذا الحكم حاليا لولا بروز عدة مؤشرات، وظهور الكثير من العلامات والتصرفات السلبية مؤخرا.

أذكر أني في بدايات استخدامي للفيسبوك وكان ذلك بالضبط يوم 4 نوفمبر 2008، أي بعد 4 سنوات من تأسيسه، ومنذ حوالي 5 سنوات ونصف تقريبا من الآن، كانت الظروف والأجواء فيه مغايرة تماما لما هي عليه الحال الآن، أحاول أن أوردها في خمس نقاط علّي أفيد بها من يتساءل ويستفسر:

  1. الوقت في الفيسبوك دون جدوى: كانت قائمة أصدقائي ومن تظهر منشوراتهم على صفحتي أساسا ممن لا تربطني بهم إلا العلاقة الافتراضية، فالغالبية من خارج الوطن أصلا، الاحترام والود يصبغ كل علاقاتنا، فيما كان من في مدينتي وقريتي نادر جدا، وهذا ما أضفى للحظات اطلاعي على صفحتي في الفيسبوك نكهة عالمية، أستفيد فيها بكل ما هو جديد فعلا، وأعيش تجارب خارج المألوف، وأستفيد من الاحتكاك الذي يوسع الآفاق حقا، أما حاليا فلا فرق كبير بين حديثي مع من حولي في العالم الواقعي والافتراضي، كلها نفس الأسطوانات تتكرر، مما قلّل كثيرا من المفيد الهادف.
  2. فوضى الأسماء المستعارة: العلاقة الافتراضية في بداية الأمر تفرض مسحة من الاحترام المتبادل، ولكن حينما يكثر من تعوّدنا على نفس النمط من العيش، ونفس الأسلوب من التعامل، فإن الكثير من العادات السلبية تنتقل من أرض الواقع لترسو بشدة أكبر في العالم الافتراضي، فأصبح الفسيبوك حاليا فضاء للمحاكمات ووضع الشراك، واختبار مدى التحمّل، وما يحلو للفارغين تجربته على مختلف أصناف معارفهم ومن يعرفونه ولا يعرفهم بفضل الأسماء المستعارة التي يتخفون من ورائها.
  3. المحتوى من سيء إلى أسوأ: مؤشر آخر يجعلني أقر بأن أولى أيامي في الفيسبوك أفضل من آخرها هو مستوى المنشورات التي تظهر في صفحتي، فقد كانت توعية وتذكرة، تهاني وكلمات طيبة في معظهما، فما ندر وشذ عن القاعدة كان مصيره الإخفاء فقط، ولكن الآن وللأسف صار الأصل استثناء، والشاذ قاعدة، فعوض قضاء الوقت النادر القليل في الاستفادة صرنا إلى عملية شاقة وطويلة الأمد في تمييز الخبيث من الطيب.
  4. البحث عن الطريقة الأمثل: جربت العديد من المقاربات، واختبرت الكثير من التجارب، فلم أصل لنتيجة مرضية تجعلني أجزم بفائدة الفيسبوك الكبيرة، وقد كتبت سابقا بعض المقالات إجابة عن تساؤلات كانت قد وردتني (1) ولكني شخصيا لا أملك كل الأجوبة مادمت أجد العوائق في كل مرة، حتى أكاد أقرر مغادرة الفيسبوك نهائيا، فأعود متمسكا بالحد الأدنى من الفائدة التي أجنيها منه.
  5. يصدق فيه الكاذب ويكذب الصادق: كان الأصل في الفيسبوك حسن النية، وإرا دة الخير، فتغير جذريا إلى مركز لتصدير الفتن، وبث الإشاعات والكراهية بين مختلف مكونات المجتمعات، عوض أن يكون فرصة لتبادل الأفكار والمعارف، والاستفادة من اختلاف الثقافات والعادات، فالمحيط موبوء بكل ما تحمل الكلمة من معنى، والقاعدة انقلبت أيضا، فالحقيقة المرة تبيّن بما لا يدع أي مجال للشك أن صفحات من يدعون الإسلام فضاء أسود بالدخان والحقد، وصفحات من نرى فيهم غير ذلك تفوح أريجا بكل الفوائد والجمال، أخلاقا وأدبا.

في الأخير: سألني ويسألني الكثير من أصدقائي عن سرّ انسحابي الجزئي، أو على الأقل على غير الوتيرة التي كنت أشارك فيها في الفيسبوك، فجوابي لهم تحمله المؤشرات الخمسة التي ذكرتها، فالفيسبوك لم يعد ذلك المحيط المحفز لي للتفاعل فيه إلا على مضض، ولولا أصدقاء ينيرونه بقناديلهم الخافتة، ويحملون فيما يكتبون الأمل والفائدة لكان مشواري في ذلك العالم الأزرق في خبر كان، ومن يدري ماذا تحمل الأيام فيما يأتي؟

—————————-

(1) استعمل الفيسوك… فقط لا تتورط: الحلقة [1]، الحلقة [2]

النقاش مفتوح في التعليقات فأفدني برأيك ووجهة نظرك