تتبادر لأذهاننا أفكار، وتترائى لنا مشاريع تكبر وتصغر حسب درجة طموحنا، وبمدى اطلاعنا واهتمامنا بمجال ما، فنسارع لبدء خطوات عملية لتجسيدها، بدءا بمشاركتها مع طرف آخر أو أكثر وفق ما يسمى بفريق العمل، وصولا إلى عقد لقاء تلو الآخر، لكن غالبا ما نصطدم بهاجس اللافعالية واندثار المشروع، فما الأسباب وما الحلول؟

تتصاعد وتيرة الاستعداد للعمل في مرحلة الفكرة، فيغمرنا ذلك الإحساس بقدرتنا على هدّ الجبال بشموخها، نتفاءل كثيرا، ونبدأ أول خطوة في تحديد من فريق عمل إيمانا منا بأهمية العمل الجماعي، وهذا أمر إيجابي، بعدها ننتقل لتحديد الخطة، فنهتدي إلى عقد لقاءات أو جلسات أو اجتماعات -بالتعبير العملي-، إلا أننا غالبا ما نبقى في ذلك المستوى، فمتعة اللقاء والتحاور والتسامر تغطي عنا مهمتنا الأساسية التي التقينا لأجلها.

لو جئنا مباشرة لمعرفة الأسباب فنجدها كثيرة جدا ومترابطة، أحاول ذكر بعضها هنا، مع طرح حلول وبدائل طبعا، والموضوع مفتوح للإثراء خاصة ممن عاش تجارب مماثلة:

  • خلل في الإيمان بالفكرة: على فريق العمل المؤسس لأي مشروع أن يكون مؤمنا بالفكرة إيمانا راسخا، فلا يمكن إدراج عضو في المجموعة بناء على صداقة أو عاطفة لأنه سيضر بالقضية إن لم يكن مقتنعا بها، أو على الأقل قابلا لذلك ومبديا استعدادا واضحا.
  • دراسة منقوصة للمشروع: يمل البعض أحيانا من كثرة اللقاءات، ويعتبرها مضيعة للوقت، وقد يكون محقا في هذا وقد يكون غير ذلك، وهذا يعتمد على قوة الدراسة وبيان خطوطها وملامحها، لذا فقد تموت المشاريع أحيانا بسبب استعجال النتيجة والنزول للميدان قبل استكمال مرحلة وضع الأسس، مع أنني لا أدعو لاستكمال الدراسة تماما كي نبدأ الشروع في العمل، لكني أركز على عدم الأقدام على أية خطوة قبل دراستها مما يعني هذا أن الدراسة تقسم لمحاور عدة ويشرع في إنجاز أي محور فوق اكتمال البحث في شأنه.
  • الرجل غير المناسب في غير المكان المناسب: عند وضع أسس فريق العمل، علينا أن نُخضع الشخص للمنصب، وليس العكس، المقصود أننا نعدد حاجتنا من المهام، ثم نبحث لها عن من يناسبها، لا أن نأتي بعدد معين من الأشخاص لنبحث لهم عن مهام في مشروعنا، فإن احتجنا شخصين لا نجلب شخصا واحدا كما لا نعتمد على ثلاثة أو أربع، أمر آخر كذلك هو التنازل عن أي منصب علم صاحبه أنه لم يعد يؤدي دوره فيه ولو كان مؤسس الفكرة نفسها ولعل أبرز مثال ناجح على ذلك (ستيف جوبز مع Apple)، فهذا سر استمرار المشاريع ونجاحها.
  • غموض وضبابية في الرؤية: على فريق العمل التطرق لكل النقاط التأسيسية حين يودون إطلاق أي مشروع، كالغاية والرسالة والأهداف والمبادئ والقيم، بالإجابة على أسئلة مثل: من نحن؟ وماذا نريد؟ ومتى نريد؟ وإلى ماذا نود الوصول؟ وكيف نود الوصول؟ وهل المشروع ربحي أو خيري تطوعي؟ وغيرها من الأسئلة، حيث نفصل منهجية العمل ونتطرق لأبسط نقاطها، ونوضح الجانب المادي جيدا إن كان المشروع ربحيا.
  • قادة أم قائد للمجموعة؟: تقوم المشاريع بالرجل، هذا ما أؤمن به وأعتقده فهو الذي يكون على رأس فريق العمل، وفي جبهة العمل مباشرة، دوره توفير اللحمة بين أفراد المجموعة، يرى أمام ناظريه شكل المشروع النهائي، يوجه ويجتهد في سبيل تجسيد رسالة المشروع وخطه الذي أسس على نحوه، له القرار الأخير في المجموعة حين يكون الاختلاف في الرأي على أمر معين، يرجح الكفة عندما تتعدد وجهات النظر، فغياب هذا الدور يجعل المجموعة تتجاذب يمينا وشمالا، إلى أن تتلاشى مع مرور الوقت بسبب عدم توافق الرؤى والآراء.
  • استعجال النتائج الملموسة: لكل مشروع نتائج ملموسة وأخرى محسوسة، الأولى يشعر بها كل عضو في الفريق لأول وهلة، لكن الثانية لا يحسن التعامل معها أي كان، فاكتساب الخبرة والعلاقات الطيبة مثلا من النتائج المحسوسة التي يمكننا تأجيل الملموسة من أجلها ولو لبعض الوقت، وهنا تكمن مهمة القائد في توضيح هذه النقطة وإقناع من معه بها.
  • وتيرة عمل متناقصة: يشتكي منها الكثير، حيث تخفت تلك الرغبة الجامحة التي كانت في البداية السمة الظاهرة في فريق العمل شيئا فشيئا، إلى أن تختفي تدريجيا، والحل هنا يعود للتذكير المستمر بالأهداف والخطة المسطرة دوريا، كما لقائد المجوعة هنا دور في مواكبة هذا الشعور ولو تطلب الأمر الحزم بشأنه.
  • قرارات محتشمة: القرار الحازم والمفاجئ يحتاج لقوة وشجاعة، والجرأة سمة يجب أن تتوفر لدي قائد المجموعة -على الأقل- كما هي مطلوبة في كل من بيده القرار أيضا، المهم أن يرمي منها صاحبها من ورائها صلاح الفريق، فقرارات الفصل عن مهمة ما، أو إلغاء خطوات أو مراحل يراها البعض ربما أساسية أمر واجب إذا كانت تعيق السير والإنجاز بدل الإسهام فيه، واستعمال مبدأ الخطة A والخطة B مثلا، دون الجمود في طريقة واحدة، والتفكير خارج الصندوق من شأنه توليد عقل مفكر باتجاهات متعددة مترامية، المهم في الأخير أن يكون القرار صحيحا ولو وصف بالمجنون!
  • الأقوال شيء والأفعال شيء آخر: إن أراد أي فريق عمل أن يذهب بعيدا بخطته ومشاريعه فعليه الموازنة بين القول والفعل من جهة، وكذا التوازن بين الترغيب والترهيب من جهة أخرى، فإذا سمي فريق عمل فلأنه وجد للعمل، وليس لأمر آخر، لذا فانتهاج سياسة مضبوطة تثمّن عمل المحسن وتستهجن فعل المسيء أمر ضروري، ليواصل المحسن إحسانه، ويكف المسيء عن إساءته.
  • أدومها وإن قل: تبدأ المشاريع صغيرة ثم تكبر في الميدان، هذا مبدأ أساسي ومهم على كل فريق عمل أن يعيه تمام الوعي، لذا ففي مرحلة الفكرة نقتصر على أهم ما يمكّننا من الشروع في العمل، فإن نحن أردنا أن نقيم مشروعا متكاملا بقينا في عالم الأفكار وتلذذنا بالخيال والأحلام لنصطدم بواقع يجعلنا نتخلى عن المشروع تماما بإحساسنا لثقله واستحالة التعامل مع خيوطه المتشابكة.
  • تضارب وتباين في الأولويات: يحدث الخلل عندما يختلف ميزان الأولويات لدى أعضاء فريق العمل، فعلى الجميع الاتفاق على درجة أولوية المشروع ككل، وكذا أولوية كل خطوة فيه، وكمثال على ذلك عندما يكون المشروع هو المصدر الوحيد لزرق عضو ما، بينما هو عمل جانبي لعضو آخر يقضي خلاله وقت الترفيه عن نفسه فقط، هنا نلاحظ أن الأول سيعمل جهده ويركز عقله في سبيل نجاح المشروع، بينما الآخر يولي له أوقات فراغه فقط!، ولكن هناك حل لهذه المشكلة كأن يكلف قائد الفريق هذين الشخصين بمهمتين متباينتين من حيث التأثير والأهمية، الأول يكون على رأس مهمة مصيرية، بينما الثاني في مهمة جانبية أقل تأثيرا.
  • عمل متواصل دون نتيجة: إن طال العمل هكذا دون أية نتيجة فهناك حلين، إما أن نعود لنقطة البداية وندرس المشروع من جديد، وإما أن نتخلى عن الفكرة تماما، ونخوض تجربة أخرى محمّلين بخبرتنا وتجربتنا السابقة، فلكل مشروع بداية ونهاية، والحكيم من تعامل بذكاء وحزم مع القضية، فلا عيب في إعلاننا التخلي عن مشروع من مشاريعنا -بالتشاور مع فريق العمل طبعا-، وإن بدا لغيرنا وكأنه إخفاق، فأن نعترف بحالنا ونصحح مسارنا أفضل لنا من المضي في طريق نعلم جيدا أنه لن يوصلنا لنتيجة خائفين من “كلام الناس” المهم أننا قررنا ما هو مفيد لنا، والاعتراف بالخطأ أولى خطوات التطور والتحسين.

العمل كفريق أمر جميل ظاهريا، يكتسب صاحبه به سمعة طيبة في محيطه، لكن هل يكفي ذلك؟ طبعا الأمر داخليا مختلف تماما، فلا يكفي أن نحوز شرف العمل مع ذلك الفريق أو ذاك دون فعالية، هناك مشاكل وخلافات بعضها بسيط والآخر يؤدي لنتائج سيئة وهذه أمور تحصل مرارا، لكن هناك أخلاق علينا أن نتحلى بها لنضمن نتيجة أفضل، فالتنازل عن بعض حقوقنا في ظروف معينة، والصبر والحكمة والشجاعة وروح المغامرة و… إلخ، كلها أمور يمكن اكتسابها بالخبرة ميدانيا، وبالاحتكاك مع سبق ومن نجح.

في أغلب قصص النجاح التي نطلع عليها لا نقرأ منها إلا ما يسرنا، مع أن الأصل هو البحث في إخفاقات الناجحين، وتحليلها فهي أنفع لنا من نجاحاتهم أحيانا، وقد قالها أحد الناجحين: “تعلمت من الخطأ أكثر مما تعلمت من النجاح”.

وأنت، هل عانيت من تعثر مشروع أو توقفه تماما بسبب اللافعالية؟