لكل صاحب مدونة منا أهدافا معينة من وراء إنشائها، ومن جملتها الرّواج والانتشار، وكذا التطور والتدرّب على الكتابة والتدوين، ربما من ظاهر الأمر نجد المعادلة سهلة ولكن الواقع غير ذلك، فالحصول على الأول يسبقه أولا التمكّن من الثاني، أما الأمرين معا فهذا شيء صعب ويتطلب مراسا ومصابرة وفوق كل ذلك خطة عمل مدروسة ومضبوطة فكيف السبيل لذلك؟

يبدأ الواحد منا مسيرته مع مدونته باعتبارها هواية يقضي فيها أوقات فراغه، ولكن مع مرور الوقت تكبر أهدافه وتتوسع مداركه، حتى يجد نفسه يقارن موقعه بذلك الموقع أو يضع نفسه موضع فلان، فلا يغدو الأمر هكذا، بل يصبح الموقع الصغير مشروع حياة وبذر لثمار قطف بعضها متوسط والبعض الآخر بعيد المدى، حتى يصل إلى التفكير بترك وظيفته التي يشتغلها والتفرغ المباشر أو ما يسميه البعض “الاحتراف”.

فلا يمكن أن نتصور مسيرة مدوّنة مشهورة كبيرة على أن الكاتب فيها يرتّب مجموعة كلمات وجمل ثم ينشرها، ليجد كما هائلا من التعليقات والردود، الأمر ليس بهذه البساطة، فالإقبال على المدونة ومتابعتها باستمرار من عدد معتبر من الزوار -متابعة حقيقية- بالردود والمناقشة والتفاعل يأتي بعمل مستمر ونتيجة لسهر وكدّ وجدّ من صاحبه الذي يجلب عصارة فكره ويقدمها على طبق في تلك التدوينات الجاهزة.

ومما أعيبه على بعض إخواني المدونين قيامهم بالاهتمام الشديد ببث روابط مدوناتهم في كل مكان، مع تجاهلهم للتدوين بانتظام وتطوير محتواهم، وقد يصل البعض أحيانا لمجرد النقل واللصق، هذا الأمر لا يضيف للمدونة شيئا على المدى البعيد، مع أنه يمكن أن نلاحظ ارتفاعا ملموسا تلك الأيام في نسبة الدخول للموقع، لكن سرعان ما يعود المنحنى لوضعه السابق، وتهجر المدونة بلا رجعة.

تلاحظون الكم الهائل للمدونات الجديدة كل مرة، وهذا يدل على مؤشر هام لا ينتبه إليه الكثيرون، بل يعيبونه أحيانا، حيث يجعل هذا الأمر المنافسة تشتد أكثر فأكثر من نواحي عدة كالمظهر الجمالي، وقيمة المحتوى، حتى نجد حينها أنه لا حياة في عالم المدونات إلا للجودة فنيا وتقنيا وتنظيميا، فلا نستغرب توقف عشرات المدونات واندثارها، فهناك من جانب آخر أيضا نرى مدونات تحتفل بعشر سنوات من إنشائها، أو يخبر المدوّن بتدوينته ال500 مثلا، مما يرفع من همّة غيره، ويخططوا ليكونوا مثله يوما ما.

ربما كان سابقا شكل المدونة لا يهم، لكن الآن يعتبر من أهم المعايير التي تحكم في وفاء الزوار وعودتهم كل مرة، فلنحاول تطوير مدوناتنا فنيا كل مرة، بمتابعة الجديد، وإضافة الخدمات وتحديثها باستمرار ووفق خطة معقولة، حيث لا إفراط ولا تفريط.

يسأل سائل كيف لي أن أطوّر محتوى مدونتي؟ فرغم محاولاته إلا أنه لا يجد التفاعل المطلوب. هذا الأمر لا يحدث بين ليلة وضحاها، ولكنه نتيجة تجربة طويلة، واستفادة من الأخطاء وتوقف في المحطات، أما الأخطاء فنكتشفها من خلال التعليقات التي ترد على الموضوع، كما نسعى لاطلاع الأصدقاء على المواضيع وطلب النقد والنصيحة منهم، والمحطات هي العودة لما كتبنا وتقييمه وتحديث معلوماته، واستدراك نقائصه، حيث يمكن اعتماد العام محطة أو نصفه أو ثلثه حسب الاستطاعة والخطة.

ومن عوامل تطوير المحتوى أيضا مراجعته وتدقيقه من الأخطاء النحوية والإملائية، كما للغة العربية الفصحى دور هام في جودة التدوينة، وصحة المعلومات ودقة المصادر، وفتح باب الآراء لكل قارئ، وتقبل كل أنواع الملاحظة والاختلاف، والتميّز أيضا في طرح المواضيع، وحسن اختيار العناوين، وعدم الإطالة في التدوينات، مع تبسيط المعلومة تبسيطا لا يضر بالمعنى.

بهذه الأمور يحقق المدوّن أهم عاملين لنجاح مدونته، ويوفّق بين جودة المحتوى وكثرة الإقبال على المدونة، وبعد هذا كله، يمكن له أن يفتح أبوابا جديدة لخدماته بكل ثقة، حيث ترتكز أرجله على أرضية صحيحة، كما يجد دفعة معنوية كل مرة من زواره ومتابعيه الأوفياه في كل أمر يستشيرهم فيه ولعل أبرز مثال يحضرني هو الأخ رؤوف شبايك ومشروع خمسات، فلكم أن تسألوه عن مدى دعم زوار مدونته لفكرته ومدى تأثيرهم فيها حيث يعكف فريق تطوير المشروع حاليا على دراسة وتطبيق كم هائل من الملاحظات والاقتراحات التي تهاطلت عليه، بفعل مسيرة طويلة وشاقة رأى فيها ليالي بيضاء وأخرى بكل ألوان الطيف، ندعو الله له كل التوفيق والنجاح.

في الأخير أؤكد أن الحرص على تطوير المدونة تقنيا للحصول على معدل معتبر من الزوار في المدونة أمر مهم ومطلوب، ويمكن الاستفادة فيه بتفصيل بالبحث في منتديات الدعم التقني كما في الوورد بريس مثلا أو البلوجر، ومراقبة عداد أليكسا، والتبادل الإعلاني، وغيرها من العوامل المساعدة لنجاح مدوناتنا الشخصية، فليعلم كل منا أن المعادلة الصحيحة هي:

محتوى جيد + إدارة حكيمة = الحصول على إقبال وتفاعل كبيرين وبالتالي: مدونة قوية تفرض نفسها بين الكبار.