كلنا يعيش في حياته مع عالم الإنترنت، الإنترنت التي تطورت -ولا تزال- بسرعة هائلة، وبشكل متتالية هندسية لا ندري مداها ولا منتهاها، فمن مجموعة مواقع تعد على الأصابع، إلى مئات الملايين، ومن مواقع مؤسساتية محصورة في كبرى الشركات إلى مواقع شخصية في متناول أي واحد منا، فضلا عن الشروط والإمكانات المعتبرة التي كانت ضرورية لإنشاء موقع وتسييره بخلاف ما نعيشه، فحاليا لا يتطلب ذلك جهدا كبيرا ولا بحثا موسعا، كل شيء متوفر مع مواقع تقدم خدمات مجانية أو بقيم رمزية، ومؤسسات توفر عروضا مغرية تنافسية، كيف كان الأمر وكيف صار؟ حقا أمر يستحق التأمل والتحليل.

حديثنا هنا عن الانترنت سيأخذ جانبا منها فقط، وهو استعمالها في مجال الإعلام، أو ما اصطلح عليه بالإعلام الإلكتروني، فقد استهوى إليه الكثيرين، من مختلف المستويات والأعمار، على غرار مواقع كبرى القنوات الفضائية، التي باتت تستعملها الآن كعنصر أساسي لا يقل أهمية عن النشرات الإخبارية، فالانترنت الآن تعد الواجهة الأولى للمؤسسات الإعلامية وغير الإعلامية لسهولتها وبساطتها وتوسع استعمالها. أما على مستوى عموم الناس والأشخاص، فلديهم الحل والبدائل كالمواقع الاجتماعية والمدونات الشخصية، إذ تتميز بتصميمها البسيط وسهولة الاستعمال، كل هذا لتقديم المعلومة في وقت قياسي وبأنسب الأشكال وأسرعها تأثيرا في متلقيها وقارئها.

فالآن نلاحظ نقل المعلومة وإيصالها أصبح أبسط، بفضل المواقع الاجتماعية، الكل يمكن أن يتقمص دور الإعلامي بسطر واحد وببضع كلمات من شأنه أن يبلغ عن مناسبة ما تقام هنا، أو شخص تم تكريمه من جهة ما هناك، أو نجاح فلان أو حتى الأخبار العاجلة المنقولة من مواقع أخرى أو وكالات أنباء أو قنوات فضائية…، ومما شد انتباهي هذه الأيام تمرير المعلومة بشأن الطرق المفتوحة والمسدودة، وحركة السيارات عندما تقلّبت الأحوال الجوية في المملكة العربية السعودية، حيث يكفي وأنت تقود سيارتك وقبل الدخول في زحام وطوابير، أن تستعمل هاتفك وتدخل موقع تويتر، لتعلم آخر المستجدات عن الطرق وحركة الوديان، والانفاق المسدودة بالمياه، فهذه التقنية استحسنها كل من استعملها ونجا بفضلها – بعد الله – من مشاكل وعواقب غير محمودة، ووفر على نفسه وقتا هاما.

ومن مظاهر طفرة الإعلام، توفر مواقع للبث المباشر، بالصوت والصورة، وبجودة ممتازة حسب سرعة تدفق الأنترنت طبعا، وبهذا اختصرت المسافات، فالإنسان من كندا يتابع على المباشر ما يقع في بيته بالجزائر، ومن بلده يشاهد مباشرة ما يقع في الحرم المكي، وفي أوروبا يتابع دروس الوعظ والمحاضرات في بلده وقريته ومسجده في حيّه البسيط.

كما أن لمواقع نشر مقاطع الفيديو ومشاركتها دورها الهام أيضا في التأثير وتوصيل الأصوات والأفكار التي لم تتيسر لها الظروف لتظهر في الفضائيات، فكم من شاب جلس في مكتبه وألقى أفكاره بكاميرته الشخصية “واب كام” في مدة لا تتعدى العشر دقائق، فوصل عدد مشاهدات مقطع هذا الفيديو الملايين في ظرف قصير، هذا إعلام مؤثر جدا، وبطريقة عابرة للحدود والقارات.

بكل هذه الوسائل وبغيرها نقول إنه لدينا من الإمكانات ما يجعلنا مسؤولين وقادرين على استعمالها بينما نجد الأفضل، ولا نتذرع بقلتها ولا عدم توفرها، فأبسط الجمعيات أو المنظمات حاليا يمكن لها أن تعلن عن نشاطها ومبادراتها، العالم أصبح قرية، لم يخطئ من قالها، ولكن ما دورنا في هذه القرية؟

هل يكفي أن نقول: نحن نعلن وندرج ونكتب في الأنترنت؟ هل يمكن الحديث عن الكمية والحضور بغض النظر عن الجودة والاحترافية؟ الخطوة الأولى نثمّنها ولا نهملها، ولكن علينا دائما أن نفكر في المرحلة التالية، لأن عجلة الزمن تدور، وطبعا سنجد أن إعلامنا يحتاج لتسويق أفضل، ولمستوى أرقى، إخراجا وأداء وتعاملا، فلدينا ما نصدّره، ولدينا ما يستحق أن يكون مادة دسمة في عقول الناس، لذلك علينا الاهتمام بالتسويق في العمل الإعلامي، ونعني به جمال الكلمة ودقة اختيارها، ووضوح المعاني وسمو الرسالة، وحسن إخراج الصورة والصوت، واحترافية الأداء، وفوق كل هذا الإخلاص والتفاني والصبر، كل هذه المحاور تحتاج لموضوع مستقل خاص في فرصة أخرى إن شاء الله.