ورد إلي منشور في فيسبوك من شخص عزيز لدي، وبدوري أعدت نقله في صفحتي (مرفق آخر المقالة)، وفي قراءته الأولى تشكلت عندي نقاط استفهام كثيرة مع ظلمة افتراضية وضباب كثيف خيم على عقلي وعيوني.. ثم في الثانية بدأت أرى شيئا من النور يتسلل إليّ.. ثم ثالثة ورابعة.. حتى ارتاح قلبي أو كاد..

منشورات عاطفية مثل هذه وتصريحات صاغها أديب ربما في إحدى فصول رواياته على لسان أم أو أب.. تصور الحياة من زاوية محددة، وترسمها في صورتها المثالية، وتطلق أنّات وآهات تشعر طرفا ما بالتقصير، بل تتهمه بما هو أكثر من لك.. لكن..

صدق من قال إننا في المدرسة نتعلم الدروس ثم نختبر فيها، بينما في الحياة نختبر أولا لنتعلم الدروس.. وفي هذا المعنى والمنحى ندرك صعوبة بل استحالة أن نحيا كما نشتهي أو نحلم.. بل هي خيارات معقدة نجر إليها جرا أحيانا.. ونزحزح إليها أحيانا أخرى.. هي ما نعبر عنه بالظروف.. حيث لا تتشابه ولا تتطابق ولا تستنسخ..

لاشك أن الكثير من الأمهات قد رأين ذلك المنشور وقرأنه، في صفحتي أو غيرها، وكانت ردة فعلهن مخالفة للأم التي أطلقت تلك الآهة.. وهناك طبعا من وافقها..

من يخالفنها ينظرن للأمر من زاوية تحرير الأبناء وعدم تقييدهم، وتركهم يغامرون ويحققون ذواتهم بعدما تمر فترة الحضانة والتربية ويبلغوا سن الرشد ويصبحوا على قدر المسؤولية، فهن هنا يفتخرن بكل إنجاز لأبنائهن مهما كان وأينما كان.. ولا ضير من وجود جرعة خفيفة من الأسى ومرارة الفراق والبعد..

العبرة بمن ورث وحاز ونال الرضا ودعوة الخير من والديه وإن حالت بينهما المسافات والمطارات.. ولا خير ولا فضل في قرب مكاني وجفاء روحي.. أما من حازهما معا فهو يعيش خير الدنيا ونعيم الآخرة صح ليه..

اشتقت إليك أمي.. اشتقت إليك أبي..

المنشور المقصود:

بعض الكلمات قاسية.. قاسية جدا! ?

لم أنجب ابني ليسافر

لم أنجب طفلي لأراه يكبر بعيداً عني وأنا التي رسمت مراحل عمره في قلبي قبل أن أراه..

لم أنجب طفلي لأحضنه خلف شاشات وصفحات مواقع التواصل الإجتماعي وأنا التي لم أرض قطع ذلك الحبل السري في ليلة عسيرة المخاض..

لم أنجب طفلي ليصبح طبيباً أو مهندساً أو عاملاً ليبني هناك، أنجبته لكي يبني هنا!

لم أنجب طفلي لأرسل له عروسه إلى المنفى فأبكي فرحاً بكاء إلكترونياً فرضته الغربة الظالمه..

لم أنجب طفلي ليقول لي يوماً “Hello mother” أنجبته ليقول لي كل صباح؛ صباح الخير أمي فتشرق الشمس ويبدأ يومي..

لم أنجب طفلي لأخاف ويخاف كل يوم أن يفقدني ولا يلقي علي نظرة الوداع ويحيا يتيماً مرتين، يُتم الموت ويُتمَ الفراق ..

لم أنجب ابني ليسافر…

أمهات..