الاتحاد شيء جميل، وتنسيق الجهود وتوجيهها أمر محبب وفيه كل الخير، رأينا كشباب جزائري لدينا القدرة على خط بعض الحروف، وترتيبها في جمل وفقرات، أن نتحد في نفس الموضوع، فهذه المرة كان الاتفاق على كتابة خواطر ومواضيع ومقالات تخص التربية والتعليم في الجزائر، وفي هذا الصدد أكتب…

تنفق الدول التي تسير أمورها علميا أكبر نفقاتها في الدفاع والتعليم، فالأول لتجسيد سيادتها والذود عن حدودها ومصالحها بالقوة والحنكة، أما الثاني فهو وقودها نحو الاستمرارية وفرض الوجود أطول مدة ممكنة، والنشء الصاعد مستقبل كل أمة وجبت العناية به أيما عناية، وبما أننا ندين بالإسلام فكان علينا لزاما أن نركّز على إرفاق كلمة التربية مع التعليم، فلا علم دون أخلاق وسلوك سوي.

التربية والتعليم في بلادنا مرت وتمر بمخاضات عسيرة كل مرة، انتقادات كبيرة موجهة للجهات المسؤولة عن هذا القطاع الحساس ابتداء من الوزارة إلى المدراس بمراحلها، إلى المعلم والأستاذ الممارس أيضا، هذه الانتقادات كانت نتيجة لمحصلات مغايرة لما يجب أن تكون عليه، حتى أصبحت الأسرة تتشاءم من مدرسة ابنها وتتخوف من محيطه وما سينجر عنه في سلوك ابنها ورصيده العلمي، فكان اللجوء للتعليم الخاص، وكذا الحر، وكلا هذين النوعين له إطاره وتعريفه سيأتي لاحقا.

رأينا الاصلاحات ونراها كل حين في الجرائد والملتقيات الوطنية، هذا ظاهريا أمر جميل، كون القائمين على شؤوننا لم يجمدوا على طريقة معينة، إلا أن هذه التغييرات تتسم بالارتجال تارة، والتقليد البحت تارة أخرى دون إسقاطات لواقع المعيشة وظروف التلميذ الجزائري، حتى أصبح العام والخاص يجزم أن جملة إصلاحات التعليم هنا تأتي من طريقتين أولهما يكون بعد جولات الوزير في الدول الأوروبية أو غيرها، حيث يرى قانونا فيعجبه ويأتي ليصدر قرارا بتطبيقه، ثم لا ينتظر كثيرا حتى يلغيه لسبب أو لآخر، أما الطريقة الثانية فحينما يتابع المحسوبون أيضا لوزارتنا حصة تلفزيونية -فرنسية عادة- لمناقشة ماهو مشروع قانون فقط، إلا أننا سرعان ما نجد قرارات غريبة تنجر عنها وترسل كالبرق للمدارس لتطبيقها! ثم تحدث ضجة ليستغنى عنها، والضحية دائما التلميذ.

هذه الإصلاحات المكثفة التي جعلت من طلبتنا فئران تجارب بيضاء، نلاحظ أنها لا تمس جانب التربية أبدا، إلا أنها تخص آليات التعليم وإيصال المعلومة، وحتى هذا الجانب يكون التطوير فيه والاهتمام الأكبر بالمظاهر والقشور عوض الجوهر، إذ نغفل جوانب هامة جدا تخص علاقة التلميذ بمحيطه المدرسي مثلا، فغياب التربية في مدارسنا جلي بعدة أمور نراها ونعايشها وهذه بعض الأمثلة:

  • عندما أجد المعلّم المدرس في الابتدائي يدخّن في القسم أثناء الدرس، وحينما تغيب عنه سجارته يصب جام غضبه على البراءة، أي تربية نرجوها منه؟
  • عندما أجد أستاذا يعاكس معلمة أو طالبة في المؤسسة جهارا نهارا، ويراسل ضحاياه بقصاصات يرسلها مع تلميذ له، أي تربية تنتظر منه؟
  • عندما أجد لسان أستاذ صارما صرامة قذرة، يقذف الشرر والسم، أي تلميذ يربي؟ وأي قدوة يترك خلفه؟
  • عندما يحاسب التلميذ عن دقائق تأخره وتخصم من نقاطه، فيما تكون عادة الأستاذ التأخر بعذر أحيانا وبدونه غالبا. أي انطباع يتركه هذا الأمر؟
  • عندما أجد معلما ينسلخ من هويته ويقلد تقليدا سلبيا في ملبسه وقصات شعره، أي نشء ننتظر من بعده؟
  • عندما أرى أستاذا يشرح درسه وقد علّق في إحدى أذنيه سماعة، فيما ترك الأخرى لاستفسارات طلبته، أي درس يشرح؟ وأي معلومة يوصل؟

عندما وعندما … أريد فقط ألا نحاسب التلميذ فقط ونحاكمه محاكمة جائرة، ونطلق أحكاما مثل “جيل هذا الوقت صعب ليس كمن سبق”، فعندما غابت أو تقلصت مكانة التربية في مدارسنا كان الانعكاس الشرطي نتيجة حتمية، لذا أبارك لكل مؤسسة وأستاذ ينتهج التربية أولا قبل التعليم لأن الخير موجود والصلاح متوفّر، و أذكر  هنا أستاذا كان يدرّسني الرياضيات، مرارا ما أوقف الدرس بسبب مشهد رآه في القسم، ليكتب في السبورة عنوانا كبيرا “درس في الأخلاق” بعدها يستغرق في توضيح التصرف الخطأ ويصححه، فالعملة الصعبة الآن هي الرجل الخلوق الأمين الذي نثق فيه حين يتقلد المناصب غدا وإن قلّ رصيده علميا، فيما لا حاجة للمجتمع لفرد فاسد أخلاقيا معاق تربويا ولو امتلك شهادات العالم وحاز أعلى مراتب التفوق والنجاح.

ومن الإنصاف أن أعترف أنّ من نعم الجزائر ومزاياها أن رخّصت فتح المدارس الحرة الذي يكون التعليم فيها مجانيا مكملا للتعليم الرسمي، عادة ما يركز فيه مؤسسوه على الأخلاق والتربية الإسلامية القرآنية، هذه المدارس مكسب كبير لكل من درس فيها، فاسألوا من جرّبها.

أما التعليم الخاص الذي يؤدي دور التعليم الرسمي إلا أن الفرق بينهما هو الجانب المادي، مع امتيازها بالجودة في أغلبها، مع وجود المدارس التجارية البحثة في بعضها، هذه المدارس عادة ما يكون لها مرجعيات خاصة، كأن نقول المدرسة الأمريكية والفرنسية في الجزائر، هذه المدارس تدرس المواد العلمية تحت إشراف الوزارة، وتغرس قيمها الخاصة في الجانب الآخر والذي نعني به التربية، هذه فلسفتها فليختر أحدنا المدرسة الخاصة المناسبة لابنه.

التربية في المدارس لا تكفي مادام دور الأسرة غائب، فهذا مكمّل لذاك، فالتربية على أسس عريقة أصيلة، وفق خطط عصرية مدروسة، هذا ما يجب أن يكون من المهد الأول وهو الأسرة، وفي المدرسة بأطوارها، وكما قال الخليفة عمر بن الخطّاب وهو يحثّ على حسن تربية النشء: “ربّوا بنيكم لزمان غير زمانكم”.

هذا المقال كتبته كمشاركة في يوم التدوين الجزائري بتاريخ 15 جانفي 2011م، والله أعلم والموفق للصواب.