منذ ظهور شبكات التواصل الاجتماعي ظهرت معها عدة انحرافات سلوكية، وطفت للسطح تصرفات سلبية.. مثلا بات إعلان التضامن مجرد موضة أكثر منه كمبدأ أخلاقي، وصار الانسياق الجماعي وتتبع الموجات منطق الكثيرين تحت مسميات عديدة أبرزها النضال والتغيير.. كحق أريد به باطل..

يكفي أن تبكي أو تتباكى مركزا على وجود مؤامرات خطيرة تحاك خيوطها في غفلة من قومك، حتى تجلب إليك الأنصار والمطبلين، يحملون همك أكثر مما يفعلون مع أنفسهم أو أقرب الناس إليهم وممن هو أولى وأحق بهم.. ستجلب المزيد من التعاطف إذا أحسنت توظيف المصطلحات وكنت متفوقا في دغدغة العواطف ومغازلة القلوب من باب الحقوق والحريات..

لا يتوقف الأمر هناك فقط، بل يتعداه إلى تعبئة الأنصار وشحنهم ثم دفعهم للقيام بمعارك فارغة بالوكالة تتجسد في الهجوم اللفظي على الأقل على كل متخلف عن ركبهم، يعتبرونه متخاذلا قاعدا عن جهاد النصرة وحمل لواء الدفاع عن البطل المظلوم المقهور من طرف قوى الشر المتآمرة..

هناك يصاب أي عاقل بنوبة من الحيرة، وقد يصل به الأمر ليراجع قناعاته محتملا خطأه وسوء تقديره، يتسرب الشك إليه بما يجده من شبه إجماع حوله على ضرورة التعاطف مع فلان أو فلان، بينما لا يجد في نفسه أي دافع ولا مبرر لذلك.. فإما يخضع ويستجيب.. وإما سيحتفظ برأيه لنفسه، أما إن أفصح عن وجهة نظره فهو الخائن المتواطئ..

لا يمكن لأي كان أن يفرض عليك تضامنا غير مشروط، ولا يحق لغيرك أن يفكر مكانك، يستعير منك عقلك ليقرر ويتصرف به.. ويتلاعب بصوتك ليمارس غباءه وتطرفه.. مغامرا بإرث حضاري عميق، أو مخاطرا بقيم أصيلة راسخة.. رافعا شعارات أكبر منه.. مدعيا في ذلك الشجاعة والصراحة..

الحياة مواقف نابعة من ذاتنا، لا مجرد هبات بهلوانية ونزوات انتقامية.. لا تغرنا الأسماء ولا المسميات بقدر ما تقنعنا الأفكار ويبهرنا الأداء.. وقد علمنا التاريخ دائما أن فقاعات الصابون لا تصمد إلا قليلا..