fbpx

وجبة “إباون” والإحسان الذي فاق الإحسان!

في هذه الأيام المباركة وبمناسبة عاشوراء تشتهر بلدتي بتحضير طبق “إباون” كوجبة مفضلة، وبينما كنت في تأمل لهذه المناسبة الحميمية وما يصاحبها من تبادل للتهاني والكلام الطيب، تذكرت بالخير مناسبة ومبادرة قبل حوالي 28 سنة من اليوم.

عندما كنت أدرس في السنة الأولى ابتدائي بمدرسة الحياة القرآنية في القرارة، وفي أحد أيام الخريف أو الشتاء الباردة بعد صلاة الصبح وبعدما وقفنا في طابور الدخول للقسم كالعادة بين من يملك طاقة مفرطة ومن جلب معه نصيبا وافرا من النعاس.. كانت الوجهة نحو مكان آخر.

ذهبنا بنفس الطابور مشيا رفقة معلمنا “بن الشيخ عبد الله” حفظه الله، من المدرسة نحو بيت أحد الأفاضل وجلسنا في حلقات حول صحون وجبة “إباون” ثم حبة برتقال ورشة عطر، وكم كانت فرحتنا جلية واضحة، وفينا الفقير والضعيف حينها كما الغني والميسور.. فقد يكون الفعل بسيطا في نظر صاحبه.. إلا أن تأثيره على نفوسنا حينها كان عظيما بليغا.

بعدها تساءلت وبحثت في الأمر.. فعلمت أنها مبادرة و “تنوبة” سنوية لتلاميذ السنة الأولى ابتدائي لمدرسة الحياة المركزية من الأستاذ الفاضل الحاج يوسف خرفي رحمه الله عاهدها في حياته وتركها صدقة جارية وعادة حميدة بعد وفاته عام 1990، ليواصل أبناءه على نفس دربه “وقد قيل لي إنها مستمرة إلى اليوم”.. تقبل الله منهم وجزاهم خيرا وبركة في أبنائهم وحفدتهم، وقد رأينا فيهم كل الخير والإحسان.

المرحوم الحاج يوسف خرفي مدرسة بحد ذاته، قضى أزيد من 40 عام في تدريس أقسام السنة الأولى ابتدائي، والكل يشهد له عن إحسانه وأبوته على التلاميذ، يمسح دمعة اليتيم، ويربت على كتف المعسور، ويحتضن المحتاج، يربي ويوجه قبل أن يكون مدرسا للحروف والكلمات.

كم تأسرني هذه الصيغة والمنهج من الحياة.. الالتزام والتركيز على جبهة في المجتمع شبه مهجورة أو بعيدة عن الأضواء.. والاهتمام بإخلاص برسالة محددة.. وهذه أحب الأعمال إلى الله كما تعلمنا.

رحمة الله عليك أستاذنا الفاضل ورحم زوجتكم الفاضلة.. بكل لقمة وضعها تلميذ في فمه.. وبكل حبة “إباون” سدت رمقه.. ورسمت بسمة ورضا على شفتيه.. وحفظ الله أبناءك وعائلتك..تحية لأحبابي في مدينة القرارة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى