Site icon مدونة جابر

وتلك الأيام نداولها بين الناس!

تختلف مراتب الناس وظروفهم في الحياة أفراد ومجتمعات، ومن حكمة الله أن جعلها كذلك، إلا أن هذا الاختلاف ليس قدرا محتوما، إنما هو نتيجة سلسلة أسباب يجد فيها الإنسان نفسه فيسعى في سبيل تحسين وضعه لتغييرها فإما تقدم وتطور، وإما تقهقر وتخلف.

قال تعالى:” إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٌ فَقَدۡ مَسَّ الۡقَوۡمَ قَرۡحٌ مِّثۡلُهُ وَتِلۡكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ النَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا۟ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ” آل عمران، 140

هو الحال أمام ناظري الآن، فتلك أمة كانت في الحضيض ارتقت، وتلك دولة ودعت حياة الرخاء للدمار واللاأمن، بغض النظر عن الأسباب والمسببات الجزئية الآنية، وكما الحال في المشهد الأشمل هكذا هو نفسه لو دققنا التأمل في الأفراد من حولنا وحتى في أنفسنا، ولكل واحد منا أن يسأل نفسه ويسائلها أين كنت وأين صرت، وكيف؟ ولماذا؟

كم من شخص عرفته في صباي على شكل وهيئة معينة، ولكن الآن صار شخصا آخر، فمن ابن عائلة ضعيفة ماديا صار غنيا ذا مكانة مرموقة بين أقرانه، ومن أصدقاء لم يغادروا يوما أواخر الترتيب في نتائج دراستهم حتى نالوا كل تذمر ومهانة من معلميهم وأوليائهم إلى شباب فعالين ملهمين ببصمات جلية، فعلا هو الطموح بعينه، والإيمان بقدرة الله على التبديل من حال إلى حال إن رأى استعدادا وإقبالا.

ومن الجهة الأخرى أذكر جيدا أسرا غنية وأبناء عاشوا حياة الرفاهية وظنوا ألا أحد يقدر عليهم منافسة ومقارعة، إلى أذلاء في كبرهم يتوسلون الناس فرصة عمل يسترزقون منها ويعيلون تلك الأسرة المنكوبة، لا لشيء سوى لكونهم ارتاحوا للدنيا وراهنوا عليها فخذلتهم، أو لابتلاء أصابهم بوفاة معيلهم أو فقدان مصادر تمويلهم، وفي كل إردة الله هي المنطلق والمنتهى.

لنوسع بؤرة المنظار ولنكبر عينات الاختبار لنلقي نظرة على المجتمعات والدول، فمنذ عقد أو عقدين من الزمن أو أكثر أو أقل كانت مناطق التوتر في العالم مختلفة عن ما هي عليه اليوم، وكلما نكبت دولة شعرت بظلم كبير بتجاهل قريناتها وصديقاتها، فغرقت في وحل النزاعات والمشاكل الداخلية والخارجية، حتى سار منطق بين الشعوب رغم تضامنه يقول: أين كنتم لما كنا مثلكم؟

هي ذريعة غير مبررة من جهة ومبررة من جهة أخرى، فليس من المروءة الشماتة في العدو فما بالك بالصديق التي تجمعنا به أكثر من رابطة وصلة، إلا أنه من سنن الله تعالى أن يداول الأيام بين الناس، فمن شعر للحظة بالأمان والرخاء ولم يشكر بل تعدى مرحلة الشكر ليسخر أو يستهزئ فبشره بموعده قريبا، وأعلمه بأن يجهز أمره ليلتحق بالركب إن ليس عاجلا فآجلا.

ومن حكمة الله الذي لا يحمد على مكروه سواه  أن المصائب حينما تأتي فإنها تعم الجميع، وتمس المسيء والمصلح، فمن جاءته ابتلاء ومن كانت له عقابا وآخرون إنذارا وتنبيها لما هو أكبر وأعظم، الكل قد علم نفسه ومقامه، ولا أحد من البشر خارج هذا القانون مهما كان وفي أي مكان وزمان هو، لذا فالادكار والاعتبار واجب أكيد.

أقول هذا غير مشير لذلك الشخص أو ذاك، ولا لتلك الدولة أو تلك، فالإسقاطات كثيرة جدا ولا حصر لها وليس هنا مقامها بل أتركها لك فلكل قارئ شواهده وصوره التي تتبادر لذهنه، إنما هي شهادة أردت الإدلاء بها تذكيرا لي بالدرجة الأولى وتنبيها لكل قارئ أن يلتمس النعم ويستذكرها من حوله غير قانط ولا يائس، وليس ممن يطغى ويتملكه العجب بما يملك، فمن كان في نعمة ولم يشكر خرج منها ولم يشعر إلا بعد فوات الأوان، هو قانون في منتهى الدقة ولا يحتاج لأي تفصيل.

الظلم صعب جدا، ودعوة المظلوم وأناته، دموعه وحسراته، لن تذهب سدى، وظالم الناس يدفع أولى دفعات ثمنه في حياته قبل الممات، فكم من شخص ظُلم من غيره فأراه الله يوما أسود في من ظلمه، وكم من شعب ظلم فكان عاقبته وخيمة أمام مرأى مظلومه، الظلم ليس بالضرورة مباشرا إنما السكوت عنه أو التصفيق له في حد ذاته تواطؤ وتأمر ومن أعان ظالما ابتلاه الله به، والله يمهل ولا يهمل.

فلا تأخذك الأنفة الزائفة، ولا تحملك حمية الجاهلية لتظلم ولو بكلمة، فلا أسوأ من شماتة الأعداء، ولا أقسى من تخاذل صديق الأمس عن نصرتك بسبب خيانتك له في موقف كان في أمس الحاجة إليك، فإن كنت في موقف قوة فإنه لن يدوم لك، وإن كنت في حظوة ما فلا تأمن زوالها عنك لغيرك، هي الحياة هكذا، فتقلبها كما هي أو ادفع ثمن غرورك وثقتك.

لا تظلمن إذا ما كنت مقتدراً ***** فالظلم ترجع عقباه إلى الندم
تنام عينك والمظلوم منتبه ***** يدعو عليك وعين الله لم تنم

(الإمام علي كرم الله وجهه)

دعائي أن ينصر الله المظلومين في كل مكان، وأن ينتقم لهم ممن ظلمهم، فدمعة الأم وصراخ الصغير، وألم الكبير، بصدق وفي سبيل الحق حسنات وثواب عند الله تبارك وتعالى… وما ربك بظلام للعبيد.

Exit mobile version