سمعتهم يتحدثون، وقرأت عنهم يكتبون، ينددون ويشجبون، فسألت بحيرة وبراءة عما جرى، وقيل لي: ألا تشعر بما نحن فيه؟ ألست مسلما؟ قلت: بلى، لكن ما الذي وقع؟ لقد تهجموا علينا مرة أخرى، وسخِروا واستهزؤوا بعدما ظننا أنهم لن يفعلوها مرة أخرى… لكن، من هؤلاء؟ وماذا فعلوا؟…
كانت أصواتا تنادي، بحت من الصراخ، وغالت في الوعيد، شددت بحقها في الأخذ بالثأر، بماذا تنادي؟ قيل بالمقاطعة… وما المقاطعة وفيم؟ وكيف؟، -عفوا فإدراكي لما أنتم فيه سقيم، وقدرتي على فهم المواقف ضعيفة، فهل يمكن أن تبسطوا المسألة أكثر؟
لا تجادل ولا تناقش، اتبع فسوف تقتنع، ليس هذا وقت الشرح والبسط، كل ما عليك فعله هو الجري معنا إن جرينا، والتوقف إن نحن توقفنا، أما التحليل والتفكير فلستَ في مستوى يكفي لتفقهه…، لدينا وسائل إعلام ترسم لنا الطريق…، فعلا هو الحل، بل هو كل الحل… وأنا معكم فيما أنتم ماضون، أنا أول المقاطعين معكم… أقاطع؟ نعم أقاطع، إنما كيف…
هكذا هو الحال في قضايانا للأسف، البعض يصنع الأمواج، والأغلب يركبها، جهة تبني مجدها على أكتاف غيرها، وأخرى تدرس الوضع جيدا وتتموقع وفقه بكل ذكاء، وبين هذا وذاك، هناك فئة تائهة، ترمي بها أبسط هبات الرياح إلى فسيح الأرجاء، زوابع تافهة لا تحتاج لردة فعل بقدر ما هي في ذاتها انعكاس لجهل مركب، وتقصير مضاعف ممن لم يمثل فكره أحسن تمثيل.
نعم نقاطع، نقاطع تخاذلنا وانحسار جهودنا في أضيق الحلقات، نقاطع تقصيرنا في أداء واجباتنا، ونترك البحث عن الوصفات السحرية لنجاتنا دون غيرنا، نهجر أفكارنا الميتة والمميتة، نفعلها ونحرص على أصالتها، ونفتح عقولنا ونخفض أجنحة الذل من الرحمة لمن تركه حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم أمانة في أعناقنا ندله لطريق الحق بفعلنا لا بالقول والخطب.
نعم نقاطع، نقاطع ُفرقتنا وسوء فهمنا لاختلافنا، نركز على ما يجمعنا ونفسح مجال الاجتهادات ولا نعمل جهودنا في تضييقه، نحقق غايتنا الأسمى، ونضحي ببعض أهدافنا البسيطة، نمنح لأنفسنا الثقة والأمان، ونوفر لبعضنا البعض بيئات الإبداع والتميز دون تشبث بالتفاصيل وإغراق في المحاكمات.
نعم نقاطع، نقاطع مرض التواكل لدينا، ونغرس معاني التوكل على الله جل وعلا، ونتعهد بحزم وعزم على بذل جهود خاصة خالصة، نستعين فيها بالخبرة أينما وجدناها، ونستنير بالتجربة أنى وجدت، مبتكرين لا مقلدين، منتجين لا مستهلكين.
نعم نقاطع، نقاطع فراغنا الروحي وتوسدنا ومبالغتنا في طلب أسباب الراحة المستعجلة والأنانية الضيقة، فالحياة لم تكن يوما حظوة معنوية أو ثروة مادية فقط، بقدر ماهي دار ابتغاء الأقصى فيهما، وطلب الأفضل سعيا لرضوان الله تعالى، فلا خير في قانع زاهد وفي استطاعته الأكثر، ولا فضل لغني ولا عالم ولا ذي جاه لم ينل غيره خيرا مما وُهب ومُلّك.
نعم نقاطع، نقاطع ادعاءنا العلم المطلق ونحن لم نملك نصفه، ونتواضع في طرح الآراء ووجهات النظر، ننفي عنا ذهنية الإقصاء والأحكام المسبقة المغلفة بحقد داخلي، أو تصفية حسابات قديمة، لكل إنسان نصيب من الحق فيما يفعل أو يقول، لننصف ونتحرى الدقة، وإن لم نقل خيرا فلنصمت، وفي ذلك كل الخير.
نعم نقاطع، نقاطع قسوة أحكامنا على جهود من حولنا، نقاطع تشكيكنا في النوايا، ونجتهد في التحلي بحسن الظن، وسعة الأفق، الخير عميم إن شئنا، والشر مستشر إن أردنا كذلك، فلندع عنا نظاراتنا السوداء، ولننظر لما حولنا بحكمة، دون غفلة ولا تشديد، ننقد ما رأيناه أهلا للنقد مع اعتبار للطريقة والفرصة المناسبة، ونشجع ما كان أهلا للتشجيع بتجاوز الهفوات ولو طفى بعضها للسطح، فلا ننشد الكمال، وإنما نسمو ما استطعنا للقرب منه.
نعم نقاطع، نقاطع عجزنا وفشلنا، ونحيي فينا مبادئ الجد والاجتهاد مهما صعبت الظروف، فالنجاح سنة غالبا ما كان ميلادها نتاج التحديات، وظروفها موطن العقبات، وما ارتقت أمة ولا علت إلا بالتدافع والاجتهاد، وبحسن التخطيط والتدبير، لنقاطع تقافة الاستهلاك لدينا ماديا ومعنويا، ولندفع بمعاني الواجبات والمبادرات، بالبحث في فرص العمل والنجاحات، لا في الأعذار والتبريرات.
المقاطعة هي الحل إن أردنا تطورا ورقيا، وهي البلسم لكل علة ألمّت بنا من قلة أو غلبة، مقاطعة تنطلق من ذواتنا، وتتجاوز الذهنية المادية والحلول الآنية، هي تربية للنفس أولا، وتأثير في الدوائر المحيطة ثانيا، ثم نور يشع الكون في أبعد أرجائه، بها نبلّغ رسالتنا في الحياة، نغيظ الحاقد، ويهدي الله بها الغافل، فالعبرة أبدا ما كانت في فيلم أو رسم مسيء يقدر ماكانت في قوانين إلهية تسري في الخلق، ونحن جزء منها، فهل وعينا القضية جيدا؟
ما شاءالله عليك اخ جابر لم أجد ما أقول لم أستطع التعبير فمقالك أخذ كل الكلام واستنفذ كل تعبير. برافو
لا فض فوك أخي جابر..
تدوينة مميزة بجد وأكثر من رائعة
ارعبتني اخي جابر ظننت لوهلة أنك ركبت الموجة لكن الحمد لله لم يخب ظني بك أبدا
نعم يجب أن يقاطعوا تخلفهم وهوانهم أولا ثم يجب عليهم تعلم كيفية تكريم نبيهم بشكل يومي لا أن يتذكروه يوما وينسونه حولا,
المهم هدانا الله لما فيه الخير وبورك فيك على المقال الرائع
لك كل الاحترام والتقدير على طرح هذا الموضوع
موضوع شيق ويستاهل التقييم 5 على 5
علما ان محدودية كلمة المقاطعه لا يفهما الكثير منا . وقد برزت في الموضوع للاخوة الكثير من السلبيات والايجابيات التي يصيب بها الفرد منا , ووضعت استنتاج لكلمة للاسف لا يفقها الكثير ,
فشكرا الف شكر على رصد نقطة المقاطعه وبداية الحوار فيها
…
موضوع قيم
اتمنى لك مزيد من الابداع والتألق
لك كل الاحترام والتقدير
جزاكم الله خيرا
موضوع ممتاز جدااااااااااااااااااااا
ربنا يهدينا جميعا