Site icon مدونة جابر

مول الفحم.. ومول اللحم!

في اختيار التخصص والوجهة في الحياة، تأخذ الإنسان معايير كثيرة، تجعله يقدم ويؤخر، يعز ويذل، يصنف بعضا منها كأولوية وحلم جميل ويستبعد البقية، إلا أن هذه المعايير لا تخضع بالضرورة لما يلبي مصلحته ويوافق ميوله ومكتسباته ومهاراته، بل يعتبر فيها رأي الناس والذوق العام، والخيارات الغالبة السائدة.

مثلا لو نستحضر صورة الطبيب والطيار المثالية في مخيال الطفل مقارنة بمهن أخرى تعتبر أقل شأنا كالعمل في تخصصات متعلقة بحرف البناء والمقاولات وما تعلق باسترجاع النفايات ومعالجتها، هذا التصور قد تراكم في مجتمعات دون أخرى، وساد في بيئات بينما هو ليس كذلك في غيرها، ولعل التفسير الأقرب هنا هو مدى الشحن والتوجيه وحتى الوعيد منذ الصغر من الأسرة بوضع الطفل أمام مصيرين متباينين في حال تفوقه في الدراسة وفي حال إهماله وفشله.

نفس الأمر ينطبق على تصورنا للمرأة والتي رغم قيامها باقتدار وإخلاص بحوالي 11 وظيفة (بالمعنى الإداري) مرة واحدة ويوميا طيلة السنوات والعقود دون أعياد دينية ولا إجازات حكومية، بل عكس ذلك فإن نشاطها ودورها يتضاعف فيها، بينما توصف في الأوراق الإدارية بكونها “بلا عمل”!

يقول الحكيم لابنه بعد تجربة السنين وبدارجة جزائرية لطيفة “اخدم فالفحم تاكل دراهم مول اللحم” ورمزية هذا المثل قوية لا ترتبط ارتباطا ماديا مباشرا بالفحم واللحم، وإنما تصور لنا مستوى من التفكير درج عليه مجتمع بتصنيف من يتعامل مع الفحم كمهنة في درجات اجتماعية دنيا، بينما يمنح لمن يأكل اللحم سمة الثراء والغنى ضمن فئة النبلاء.

السر في النجاح في عالم الأعمال يكمن بداية في تجاهل وتجاوز معايير الناس السائدة في تصنيف المهن والتخصصات، والعمل على الانعتاق واستثمار القدرات من جهة، ودراسة حاجة موجودة في السوق وإبداع الحلول فيها، ولا أفضل من فكرة تجعل الثري هو الزبون، فكرة تلبي متعة من متعه، وتوفر له فرصة لإنفاق أمواله فيها بكل عفوية وبشكل مستمر متنامي (Get, Keep, Growth).

طبعا لم يعد استهلاك الفحم بذلك الحجم المعتبر كما كان سابقا لتوفر وسائل عصرية أفضل أداء، لذا علينا هنا أخذ العبرة بالمعنى لا بالمبنى.. وكم من مجالات هي كالفحم حاليا.. يصرف فيها أصحاب اللحم الكثير.. ما عليك سوى اكتشافها والتجرأ على خوضها.. لتبدأ رحلة شاقة ممتعة نحو الثراء.. ثراء متكامل بناء..

Exit mobile version