التدين أو الالتزام بتعاليم الإسلام يعتمد على ركائز ثلاث، العقيدة والعبادات والمعاملات، وكما قد درسنا وتعلّمنا فالإنسان الذي يخل بأحد هذه الركائز سيخل بالباقي آليا، وإن أظهر غير ذلك لمن حوله، وما أكثر ما نشاهد هذه الحالة في حياتنا.

اليتيمة، وما أدراك ما اليتيمة كان عليها مثل ما على باقي أخواتها من القنوات أن تلتزم بتلك الدعائم الثلاث، وإلا نسبت لدين غير الإسلام، فأصحابها يجتهدون في تكريس الرداءة يوما بعد يوم، حتى وصل بهم الحد إلى العبث بالدين، والمساس بالمقدسات، كيف ذلك؟ القصة مع الأذان.

نلاحظ في وقتنا هذا أن القنوات الفضائية والإعلام بكل عام يتوجه من عقلية العام إلى الخاص، ومثال ذلك ما كان يعرف بالقناة الوطنية التي تبث ما يهم الرضيع إلى العجوز، في فقرات متداخلة متلاحقة طيلة اليوم، في حين أننا اليوم نشاهد التخصص في القنوات، من إخبارية وافتصادية ورياضية وأسرية ودعوية وإنشادية، وفي الطرف الآخر قنوات الغناء والمسلسلات والأفلام، وحتى في الأفلام والرياضة ظهرت التخصصات والتفرعات.

اليتيمة ماكان لها أن تتبع المستجدات كونها لا تعاني من ضغوط اقتصادية ولا منافسة تجارية تجعلها تفلس ربما، فالمواطن يدفع لها حتى وإن لم يرغب في مشاهدتها، وخزائن الدولة تغرقها بما جادت به آبار الذهب الأسود، لذا فقد بقيت تلهث وراء كل شيء وهي لا تدري ماذا تريد بالضبط!

القائمون عليها يقررون بث هذا البرنامج أو ذاك من باب الغيرة أحيانا والتقليد غالبا، فبعدما كانت تشتري حقوق شبه مقابلات كروية بملايير السنتيمات إن لم أقل الدينارات، في حضرة قنوات ضخمة مثل الجزيرة الرياضية، ثم شرائها لأفلام ومسلسلات بأسعار خيالية أيضا، لم أفهم لحد الآن الغرض منها لا سلبا ولا إيجابا، وصلت الآن لبث 5 فواصل في اليوم تذكر الناس بعبادة الصلاة بعدما نسوها – في تصورها – وهم منتشون باحترافيتها وحسن أدائها، مجسدة الديك الذي يؤذن للصلاة فجرا وهو لا يفعل!

اليتيمة تديّنت، وأقنعت بعض الناس بأن يدخلوا معادلات رياضية معقدة لعقولهم رغما عنهم، فهي أشبه بقناة MBC التي تبث فواصل بين برامجها الهابطة تذكر بفعل الخير! “هذا هو ديني، هذه هي حياتي” أي دين وأي حياة مع جدول بثها اليومي المسموم الذي هو في انحطاط من يوم لآخر؟

ومن المعادلات الغريبة أن يأتي الأذان فاصلا بين لقطات مسلسل تركي، أو برنامج غنائي يتناول مواهب الجزائر في الرقص والفسق، ومن هم على منوال (النية في القلب)، المهم أن تكون (ناس ملاح وتحب اولاد وبنات حومتك) فقط!.

لست هنا أفضّل كل تلك الأشياء التافهة في معظمها على الأذان، ولكن أعجب من بعض الأمور التي حقا لا أجد لها أي تفسير منطقي لحد اللحظة:

  • اليتيمة تقول لنا: إن الأذان بتلك الطريقة أهم من الصلاة في حد ذاتها! فما معنى أن توقف المقابلة أو المسلسل لغرض الأذان فقط، ثم بعد الدعاء مباشرة تعيد الكرة وهي تقول للمشاهد إن ذهبت للصلاة فاتتك لقطات مهمة، ما معنى التنبيه للصلاة بدون وقف ما يسبب ضياعها؟ وقفا كليا وليس جزئيا فقط!

  • لا شك أنكم لاحظتم إن كنتم من متابعي اليتيمة وأخواتها أن الأذان أحيانا يكون مباشرة بعد مقدمة المسلسل أو الفيلم، وهذا أشبه بالإعلانات التجارية حين تستغل تلك الفترة لتمرير رسائلها، يعني هذا أن هناك احتمالان: أولهما أنك تعلم أن الكثير من الناس لا يصلّون، (ولكي لا نظلم أحدا)، لا يصلّون في الوقت، ويؤجلونها لما بعد انتهاء ذلك البرنامج الذي سيتواصل بعد الأذان، أو أنك تبث برنامجك دون الاهتمام بنسب المشاهدة، فأي برمجة هذه؟ وأي تسيير؟ بعدما تضيع مشاهديك إذ هم وقتئذ في الصلاة؟

الأذان في اليتيمة ليس مظهرا للالتزام ولا لكسب الحسنات ليسترها الله من (محترفي التشويش) كما وقع لقنوات فضائية أخرى، وإنما هي استهزاء بالدين، وعبث بالمعنى الحقيقي له، حتى أصبح البعض يسب الأذان كرد فعل فطري ودون قصد بمجرد أن تنقطع تلك المقابلة أو ذلك المسلسل!

وقد سبق منذ ثلاث سنوات تقريبا (2008م) أن أقام أعضاء في البرلمان الدنيا ولم يقعدوها بعدما انتهت كل مشاكل البلد، وأحدثوا ضجة حول عدم بث الآذان في القناتين الفضائيتين واقتصاره على الأرضية فقط، فسرعان ما لبى الوزير الواجب الوطني وأمر بتعميم الأذان عليها كلها، فقد كان على أولئك الأعضاء – في رأيي – أن يحتجوا على بث الأذان في اليتيمة ويخيّروا الوزير بين الاهتمام بتنقية القناة أو عدم بث الأذان أصلا.

ندائي لليتيمة ألا تجعل الله والدين عرضة لألسنة البقية الباقية من مشاهديها، أو من جهة أخرى عليها أن تصبح قناة نظيفة مثل الرسالة، فإن كان الأذان فيها يقطع حصة حوارية جادة، أو فيلما إسلاميا ملتزما، أو يأتي بين نشيد من الأناشيد التي تبث، فمرحبا به أشد الترحاب، أما أن يكون فاصلا بين قبلات ممثلَين فاسقين، فهذا هو العجب العجاب!

المشكل الأكبر أنه ليس لليتيمة مشروع حقيقي، ولا تخطيط محكم في سبيل الرفع من قيمة الجزائر شعبا ودولة فيما يوجد عكس ذلك، فهناك قنوات عالمية بملكيات خاصة لا تملك عشُر ما لليتيمة من إمكانات مادية وبشرية تركت ولا زالت الأثر الكبير إما سلبا أو إيجابا، بفضل عقول محترفة تشرف عليها، أما عندنا فالأمر أشبه بغابة يحكمها قانون القوة لا قوة القانون، ازرع فيها ما شئت وقتما شئت، الفاصل فيها هو المال والقوة والنفوذ لتمرير المشاريع والرسائل فيها، ولا علاقة لها بالكفاءة والا الاحترافية ولا الجودة، إلا ما جمع بين قوة النفوذ ودقة العمل وقيمته الفنية والتقنية وهذا هو النادر والشاذ في قناة اسمها عند شعبها: اليتيمة.

الصورة: [فليكر]