كلما اكتشفت قناة جديدة في اليوتيوب لمغامر من المغامرين ومحبي السفر واكتشاف العالم، شعرت بطاقة وحماس لمشاهدة المزيد، وهذا لما تحمله من إلهام ومواقف وعبر تجمع بين المتعة والطرفة والاستفادة، وكأننا نسافر عبر الزمن، وعبر الجغرافيا لنحط الرحال كل مرة في إحدى الوجهات المجهولة عندنا، أو تلك التي لم نسمع عنها إلا القليل.
أسلوب الرحالة مهم جدا في تقديم مادته الإعلامية بالعفوية والبساطة، خصوصا تعامله مع أزماته وتحدياته خلال سفره، حتى أن المشاهد يندمج سريعا ويقترب من واقع الرحلة وتفاصيلها، بخلاف الوثائقيات التي تعرض في القنوات التلفزيونية وما يشوبها من رسمية مبالغ فيها، وانتقاء للمعلومات وفق الخط التحريري للقناة، مما يفقد الحلقات الكثير من حقيقتها وجماليتها، فهي غالبا ما تنقل لنا جزءا بسيطا من الحقيقة، خاصة إن كان العمل دعائيا مدفوعا، فإنه يميل لتبييض الصورة وتقديمها بمساحيق التجميل.
تكمن قوة اليوتوبر في حريته وتحرره من أي جهة تفرض عليه شروطا معينة تتدخل في نوعية مادته التي يقدمها لجمهوره، مع وجود استثناءات مثل ما تقوم به شركات السياحة من انتداب المؤثرين وأصحاب القنوات الكبيرة وتدفع لهم مقابل تقديم صورة تسويقية جذابة لها، وهو أمر مشروع لا إشكال فيه مادام اليوتوبر ينتهج الصدق ولا يقوم بخداع مشاهديه، ولا أظن عاقلا يفعل ذلك فهو يدمر نفسه وينفر من حوله المتابعين والمشاهدين، وهم عملته الصعبة الغالية.
تعتبر القنوات السفر والرحلات عندي مدارس متكاملة الأركان، نتعلم منها الكثير من القيم، ونكتشف كنوزا ثمينة كنا سندفع أموالا طائلة لأجلها لو قمنا بالبحث فيها بأنفسنا، لذلك أنصح غالبا كل من فقد المعنى من حياته، أو كاد اليأس يتملكه أن يشاهد ويسافر افتراضيا من خلال تلك القنوات، يرى حياة الفقراء في العالم والأغنياء، يعاين عن قرب حياة البساطة في أعماق أفريقيا وجنوب شرق آسيا، ومختلف القرى والأرياف في الدول العربية، يستمع للحكم التي يدلي بها الشيوخ وكبار السن في تدخلاتهم القصيرة العفوية، يرى لابتسامات الأطفال وأحلامهم البريئة..
تقنيا تتفاوت القنوات بين من يملك وسائل تصوير وتجهيزات صوتية بسيطة، ومن يستخدم أحدث المعدات، ككاميرات الدرون التي تضفي للمشاهد روعة وجودة، وكذا الفواصل والخلفيات الموسيقية المختارة بعناية، ومعالجة الألوان، وهذا المستوى لا يأتي من أول يوم، بل بالعمل الجاد والمحاولات المتواصلة لتطوير الأداء، وللجانب المادي دوره بالطبع، وهنا نرى عدة طرق وأساليب لتنميته وتوفيره.
تمويل القنوات يعتمد على عداد مشاهدي اليوتيوب، وهي طريقة بطيئة وتستحق الكثير من الصبر والعمل القاعدي لبلوغ نتيجة مرضية فيها، إذا كان المحتوى المقدم جيدا وهادفا، أما التفاهة فهي للأسف تنتشر بسرعة وتعد أقصر طريق لبلوغ المستويات الكبيرة من المشاهدات، ومن طرق التمويل كذلك العمل الحر لمن يمتلك مهارات ومواهب، أو يتوفر لديه مصدر مالي من راتب شهر يتقاضاه في عمله الأساسي، وصولا إلى عقود رعاية من الشركات والجهات التي تطلب منه القيام بأعمال تسويقية بها من خلال قناته.
لم أرد ذكر أمثلة في المقالة تفاديا لنسيان آخرين، ولأن اكتشاف القنوات لازال جاريا، ففي كل مرة أكتشف الجديد سواء في المحتوى العربي أو الإنجليزي أو غيرها من اللغات، ونصيحتي هنا تتمثل في تعديد القنوات، واللغات والمستويات للحصول على صورة متوازنة أقرب للحقيقة، باعتبار التحيزات والخلفيات الفكرية لكل يوتيوبر، وعلى المشاهد أن يكون ذكيا في انتقاء ما يفيده وتجاوز ما تحفظ منه ولم يتقبله عقله.