الحمد لله أولا على نعمة الإسلام، ونعمة الصحة، ونعمة اللقاء بالأهل والأحباب، حيث يقول عز وجل: “وإن تعدّوا نعمة الله لا تحصوها”، قد آثرت هذه المرة أن أكتفي بإرسال تهاني العيد عبر قالب المدونة تاركا الوصف والخواطر لهذه اللحظات.

كانت رغبة أحد الأصدقاء أن أطعّم المدونة ببعض المقالات من واقع منطقتي وبلدتي – مزاب – ، ولعل هذه المناسبة أحسن انطلاقة وقد حاولت أن أنقل بعض الأجواء في عيد الفطر المبارك، أرجو أن أوفّق ولو في نقل صورة عامة.

عيد الفطر في مدينتي لا يختلف في جوهره وأصوله عن العيد في أي بقعة إسلامية في العالم، فخطبة العيد والصلاة، والتزاور بين العائلات والأقارب والأصدقاء، واجتماع الأسرة الصغيرة والكبيرة، وتزيّن الأطفال والكبار بأبهى الحلل، كلها أمور تحدث في كل مكان، لكن ما يميّز عيد الفطر لدينا؟

نعود بالذاكرة لعامين مضيا، ففي مناسبة عيد الفطر استيقظنا صباحا وقد بيّتنا نية الاحتفاء والفرحة بالعيد، إذا نحن نتفاجأ بغير ذلك، طوفان جارف شاءت حكمة الله أن يكون ذلك اليوم، فانقلب كل شيء رأسا على عقب، بيوت هدّمت بأهلها، وفيات، صرخات، هبة تضامنية وطنية، إجازة اليومين طالت لأسابيع وشهور لدى المنكوبين والمتضررين.

من الناس من رأى الفيضانات ابتلاء له، ومنهم من فسّرها كتذكير، ومنهم من صنفها في خانة الوعيد والعقاب، كل حر في اجتهاده وله نصيب من الخطأ والصواب، ما يهم أن ينعكس الاعتقاد إلى سلوك لإصلاح العمل وتجديد للنفَس.

أصبح الفيضان علامة مسجلة بعيد الفطر السعيد لدينا، ففي العام الماضي كان أثره أشد وقعا من هذا العام، وأخاف أن يصير يوما من الأحداث التي تحكى فقط دون اعتبار أو ادكار.

عيد الفطر يميزه عندنا اجتماع الأسرة بعد فراق لظروف العمل، فالكثير منا – وأنا منهم – نعمل في غير بلدتنا، ونأتي في مناسبات الأعياد والأفراح، والإجازات، وتصوروا فرحة اللقاء بالوالدين والأحباب، فالحمد لله على نعمة الأمن من حوادث الطرقات، ودعاؤنا أيضا بالحفظ لكل مسافر حين عودته لجو العمل سالما غانما.

خطب العيد في المساجد يميزها التنوع والإبداع وعادة ما تكون حوصلة عام من الأحداث باستخلاص العبر منها، والنهي عن المناكر والأمر بالمعروف، وهنا يظهر الفرق في الخطباء بين متفائل ومتشائم، كما تكون الدروس أيام العيد وصايا غالية لمواصلة جهود رمضان وعدم الاكتفاء والعودة للعادات السيئة التي تتوقف اضطراريا في الشهر الكريم فيما تعاود كرّتها بعد ذلك، فاللهم اجعلنا من عتقائك من النار.

عيد الفطر يميزه التسامح بين الناس وسمو الأخلاق الحسنة، ويبلغ الإيثار درجة ملموسة إذ يتجلى ذلك بين سائقي السيارات في الشوارع، وبين المارة أيضا، هي مظاهر جميلة كان فيها الدور الفعّال لدروس الوعظ والإرشاد في مختلف المساجد خلال شهر رمضان ببيان أحكام العبادات والمعاملات وكذا وصايا المرشدين للعيد وما بعد العيد، فاللهم اجعلنا ممن يقيم حدودك ويحفظ حقوق الناس.

في اليوم الثاني أو الثالث بعد عيد الفطر هناك اجتماع للعشائر، كل في مقرها الخاص، والعشائر تنظيم عرفي يجمع عددا من العائلات، حيث تتجلى مسؤوليتها في التكافل الاجتماعي ومتابعة أحوال عائلاتها المادية والمعنوية، ومجموع العشائر بدوره يكوّن المجتمع.

الاجتماع يميزه نصح وإرشاد وتذكير، وتقييم لأحداث العام وتكريم للناجحين في الأطوار الدراسية، فهو بمثابة حفل ينشطه شباب العشيرة من أناشيد ومداخلات للكفاءات العلمية بمختلف تخصصاتها، وكذا مشاركة كبار العشيرة بخبرتهم وتجربتهم وتقديم النصح للأجيال، فما بنيت المجتمعات إلا بترابط الأجيال وتناسقها، لا بمصطلح “صراع الأجيال” كما يسوقه لنا الغرب وتلقفه بعض المفكرين منا للأسف.

الاجتماع يعد أيضا تعميق لروح العمل الاجتماعي، حيث يصطحب الأولياء أبناءهم معهم لينشؤوا على حب العمل لوجه الله والإخلاص له، وليقتدوا بكبارهم ويسمعوا منهم ما يربطهم دائما بالأسرة والمجتمع، فحقيقة كل التحية والشكر والإكبار لمن فكر في هذا النظام وأوصله إلينا أمانة، حيث ننعم بنتائجه حاليا، ولكن المسؤولية الكبرى على عاتقنا لنبلغه بدورنا لمن يأتي بعدنا.

أخيرا أجدد تهنئتي الحارة بأخلص العبارات، لكل قراء المدونة الأوفياء، وأدعو الله لكم كل التوفيق والسداد والعمر الطويل في طاعة الله وفعل الخير، آمين والحمد لله رب العالمين.