لا تبدو الكثير من الظواهر الجنينية أو الانحرافات المستجدة لمسارات المجتمعات وهي في حالة السلم وعندما تكون الأمور طيبة والأيام متشابهة رتيبة، إلا لفئة قليلة ممن أوتي الحكمة وامتلك عينا ناقدة محللة تدرس الأسباب وتفترض المآلات وتتوقع الاتجاهات..

المألوف أن الكثير من الثنائيات تميز المشهد وترسم خريطة المجتمع كالأثرياء والبسطاء، ومن في الصدارة ومن هو من العامة، ومن المثقفين وغيرهم، ومن الأكاديميين والعصاميين، ومن المقيمين والمغتربين، ومن كبار السن ومن الصغار.. إلخ ولكل من هذه الثنائيات تقاليد وأعراف، معايير ومقاييس في الانتماء..

في الأزمات تتضح الصورة أكثر، مثل لوحة فنية شابتها عوالق وتراكمت فيها بقع، ومع الزمن يظن الناظر إليها أنها جزء أصيل في اللوحة، بينما يدرك من يملك شيئا من أدوات التحليل ذلك الفارق ويتمكن من التمييز بين الأصيل والدخيل.

صدارة المجتمع مثلما هي ساحة جهاد واجتهاد للمخلصين إلا أنها كذلك ميدان يغري الكثير من المتسلقين لقضاء مصالحهم والتغطية على جهلهم وقصورهم في معالجة قضايا وملفات تفوقهم في كل شيء، يحطون رحالهم هناك ويتجذرون في الفساد، يقذفون كل ناقد لهم بتهم جاهزة متوارثة.

يتساءل الإنسان في حيرة عن السبب في وجودهم هناك، وكيف تسللوا لتلك المناصب وهم بذلك العجز الواضح في إدارة أبسط شؤونهم، وهم دائما يتحججون بتكلفة التضحية التي هم فيها، بل يهددون أحيانا بالاستقالة بألسنتهم بينما هم متشبثون بأيديهم وأرجلهم وكل جوارحهم.

السبب الأبرز هو في معايير الانتقاء والترشيح والتعيين، وتداخل المواهب مع الكفاءات، والخلط بين مظاهر التدين الملموسة وسلوك الإنسان الحقيقي، وكذا الإدارة بالذهنيات البالية والأساليب القديمة، وإصدار القرارات بناء على الرغبات والأهواء في مجالس ظاهرها الإجماع وباطنها “أنا ربكم الأعلى”.

شعارات كثيرة صارت دارجة على اللسان من قبيل الحق الذي أريد به باطل، كوصف المسؤولية بالثقل دلالة على عدم قدرة أي كائن غير “السي فلان” على حملها.. واتهام الكفاءات بالهجرة بينما هم من يدفعونهم لذلك بسبب تعفن الوضع وعدم قدرة أي عاقل على العمل في تلك البيئة.

لا زلت أرى المصير المؤسف لفئة من المتعاطفين معهم رغم علمهم بكل شيء، إلا أنهم فضلوا الصمت والتزام الحياد وهم يرون أصدقاء لهم قد طردوا وأقيلوا ظلما من غير أي حق.. ثم بعد زمن قصير أو طويل يشربونهم من نفس الكأس ويلتحقون بهم بطريقة أبشع وأشد إهانة.

الأخطر في تلك الممارسات هو إلباس الدين والتدين لكل قضية واعتبار كل معارضة لها معارضة لله عز وجل..!!