حظيت اليوم صباحا بقراءة سيرة ذاتية ممتعة جدا أعادت لي ذكريات عذبة، تفاعلت معها بكل جوارحي مستذكرا أياما غاصت في الماضي وكاد النسيان يطويها ويخفيها، قرأت سيرة جدي الروحي الشيخ صالح باجو رحمه الله، ذلك الرجل الطيب الحكيم الودود المحبوب، وقد خطها بإتقان ابنه الفقيه الأديب الدكتور مصطفى حفظه الله..

صحبة الملهمين من حكماء العائلة والمجتمع هبة لا يقدرها إلا من حظي بها، قد لا تظهر عليهم كل ملامح الحكمة إلا إذا أدركنا المفتاح واكتشفنا بذكاء ما يسعدهم ويريحهم ليمنحوا لنا عصارة حياة امتدت لعقود في أسلوب تتخلله النكتة أحيانا، وتسمها الصرامة أحيانا أخرى..

قد تبدو على محياهم علامات التعب والوهن، وتظهر فيهم أعراض المرض والكبَر، إلا أن روحهم المرحة لا تتغير، وميلهم للترويح عن أنفسهم لا يتبدل، بل هم في حاجة أكبر وأوكد لذلك بما أن عِقد أصدقائهم قد انفرط، وصاروا يغادرون الحياة واحدا تلو الآخر، ولا أقسى من شعور الوحدة والغربة والعزلة..

كل كلمة شكر لا تعني شيئا أمام ما قدموا وأنجزوا ولا يزالون، فهم كنوز من الخبرة، وأنهار من التجارب، وبحور من الحكمة، وكم من مشكلة اجتزتها بنصيحتهم، وكم من أزمة انفرجت بتوجيه منهم، وكم من أفق انفتح بفضل إشارة أحدهم، وكم من فرصة واعدة اقتربت بتوصية لطيفة منهم.. ولا تزال فتوحاتهم تترا وتنهمر..

شكري لكل من عرفت ولم أعرف من الحكماء، من كانوا لي نعم الأنيس، من غمروني برعايتهم، من أغدقوا علي من فيض حنانهم، من منحوني حبهم وثقتهم.. رحم الله من توفي وحفظ الأحياء ممن حالت دوننا الأيام.. والمسافات.. والظروف.. نسأل الله أن يرفع عنا الوباء لنلتقي بهم وهم في أحسن حال.. يارب