fbpx

خواطر من رحلتي إلى أوروبا… بروكسل الهدوء (2)

بعدما كان الجزء الأول من مقالات الرحلة الأوروبية قد أخذ شكل المدخل، أواصل مع جزء آخر أحكي فيه جولتي لهذا اليوم وما استوقفني وما أثار إعجابي أو حتى ما لم يسهل عليّ هضمه واستيعابه لقصور عندي وتقصير دون شك.

علي أن أشير انطلاقا إلى أنه من بين التجارب الجديدة عندي أن أشهد الشمس جلية واضحة في السماء والساعة تشير لدي إلى 20:45 مساء، وهذا لتموقع بليجيكا الجغرافي، علما أن توقيت صلاة العشاء في 23:00 ليلا، فشهر رمضان قادم إن شاء الله، نسأل الله أن يكون صومه يسيرا على مسلمي هذا البلد، ويهدي من لم يجرب لذة الإسلام والصوم ليعيش التجربة أيضا.

في الصباح الباكر كانت لنا رحلة بالحافلة من فندق الإقامة إلى فندق المؤتمر الذي كان في ضواحي بروكسل في قرية جميلة اسمها جونفال Genval وقد سرنا حوالي نصف ساعة أو تزيد قليلا، في طريقنا جالت في ذهني العديد من المواضيع والملاحظات منها تلك الصرامة‬ والانضباط في الشوارع بالرصيف المتقن وممرات خاصة للمشاة وكذا الدراجات في طريق السيارات الواسع والمرسوم بوضوح، مع اهتمام فائق بجمالية وطبيعة المدينة من أشجار وأزهار ومساحات خضراء تعالج وتعاهد باستمرار، ثم بعد المدينة حقول ومزارع باختلاف ألوانها وعلى مد البصر.

حركة المرور في أغلبها كانت خفيفة رغم كونها وقت الدخول في العمل والمدارس، والأجمل فيها أنها كانت ملتزمة بدقة بالإشارات الضوئية، ولكل وجهة هو موليها… هنا كان نداء بخلدي يناديني ويصدح قائلا… جميلة وآسرة هو الإنسان والبيئة حين يتناغمان معا بنظام!

في المؤتمر كانت هناك أسئلة أخرى تراودني وتستفزني وتقلق راحتي، فالمؤتمر هو للتبادل الاقتصادي البلجيكي الإفريقي، وكم كنّا نرى ونتصور ونعتقد بل نمارس في حياتنا ذلك الفصل بين إنساني قارة إفريقيا الأسود والأبيض، فشمالها يحوي إنسانا يعتبر نفسه أوروبيا ويرى أنه أولى ليكون إنسانا من الدرجة الأولى، ثم بعدها يأتي من في دول الجنوب ليتبوّأ مكانة الإنسان من الدرجة العاشرة، فرسمنا (أو رُسمت لنا) إفريقيا الأمراض والإيبولا والفقر والحروب… بينما هناك غير ذلك بكثير، وكثير جدا.

وجدنا حضورا سياسا واقتصاديا وثقافيا كبيرا من دول إفريقيا غير العربية بوزرائهم وبرلمانييهم، زيادة لوفد من رجال الأعمال من الجزائر والمغرب وكذا ليبيا وتونس ولكن باحتشام، والملفت أن دولة كوت ديفوار التي كانت ضيفة الشرف لهذه النسخة، حين عرض القائمون عليها -في شريط فيديو منجز باحترافية- إنجازات الدولة وآفاقها لم يذكروا لا من قريب ولا من بعيد فريق كرة القدم لديهم المدجج بالنجوم وكونهم نالوا آخر لقب لكأس إفريقيا، فلم يستحوذوا على الإنجاز ويضموه للعرض رغم أنهم تناولوا الامكانات الإنسانية والاقتصادية والثقافية والتربوية والسياسية لديهم جلبا للمستثمرين ورجال الأعمال البلجيكيين والأوروبيين عموما.

بعد اطلاعي على مجريات المؤتمر وبعض مداخلات المشاركين فيه صرت معتقدا جازما أن هناك قوى ستقلب طاولة إفريقيا وتتصدر الموقف قريبا، ولا تستغربوا إن رأيهم هجرة شرعية وغير شرعية واصطفافا من مواطني دول شمال إفريقيا على سفارات وحدود الدول الإفريقية الأخرى…

في المساء قمنا بجولة في أحياء بروكسل التي شهدت بعض النشاط مقارنة بصباحها لكن بهدوء دائما، فالشوارع كانت فارغة تقريبا والمبررات عديدة لما سألنا أو تساءلنا، فمن قائل لوجودهم في باطن الأرض ومحطات ميترو الأنفاق التي تغطي جزءا مهما من المدينة وتشهد إقبالا كبيرا من أهلها، إلى آخر برّر القضية بضرورة العمل في بيئة جائرة لا ترحم المتراخي والجالسين في المقاهي فالكل يعمل هنا وبكدّ وجد، ولكن الظاهرة الغريبة هي المتمثلة في قلة وندرة رؤيتنا للأطفال، مع انتشار ظاهرة جر الكلاب باختلاف أنواعها، وهذا ما لم أستسغه ولم أستوعبه بسهولة… فهناك إجماع بكون المجتمع الأوروبي يشيخ ولكن أن يتحوّل إلى شراكة أسرية مع الحيوان…!

الجميل في المدينة تلك المساحات الخضراء التي توفر مناخا جيدا لممارسة المشي والجري ومختلف الرياضات لكل أطياف المجتمع البلجيكي بعفوية تامة، فصعوبة الحياة المادية الصباحية يترجمها ميل كبير للراحة والاسترخاء في تلك الحدائق العامة على ما يبدو، وهذا ما يجعل الابتسامات تعلو وتخفت الكآبة، فالإنسان لا يتحمل ضغوطه لفترة طويلة…

إلى هنا أتم الجزء الثاني الذي جاء مكدّسا نوعا ما بالمواضيع والقضايا التي تحتاج للمزيد من البسط والتداول، أرجو أن تنتفعوا بها وتنطلقوا منها لما هو أعمق وأفضل تحليلا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى