Site icon مدونة جابر

تجربتي مع حلم التصدير في الجزائر (3)

بعد مدة معتبرة أعود لاستكمال الحلقات في التصدير، وأواصل سرد تجربتي في المجال بما لاقيته من تسهيلات وعقبات، أهدف من خلال ذلك لإضاءة الطريق أمام من أظلمت عليه قليلا، أو تداخلت الصورة وتملكته الحيرة بين المواصلة والاستسلام، رجائي أن يكون الانطباع العام بعد هذه الحلقات هو اتخاذ قرار التحدي والمواجهة وبذل المزيد من الجهود لتخطي كل ما يعترض المسار، لأن الواقع فعلا يحكي قصص نجاح رائعة حديثة وليست مجرد روايات من التاريخ.

لعلي أشير هنا إلى قيمة العلاقات في مجال التصدير، لأنها الحل الأمثل للكثير من الأبواب المغلقة والإجراءات المعقدة، ولا أعني هنا مصطلح “المعريفة” بمفهومه المبتذل الانتهازي، وإنما أقصد العلاقات النوعية في مختلف المعاملات التي نقدم عليها، بالحصول على المعلومات الدقيقة، وحتى بعض التسهيلات التي تدخل ضمن دائرة اختبار نية المصدّر وجديته في توريد سلع ذات جودة ومعايير منافسة ومشرفة للجزائر، وفي هذا تقديم خدمة على طبق من ذهب لكل المصدّرين عندما يسوّق أحدهم ويحسن تشريف المنتج الوطني في أي بلد من بلدان العالم، والعكس بالعكس للأسف الشديد كذلك.

تتمثل التسهيلات والمزايا التي نحصل عليها من خلال العلاقات في تخفيضات أو حتى إعفاء تام لحقوق المشاركة في المعارض الدولية مثلا، أو إمكانية إدخال المنتجات في المراكز التجارية الكبرى بحقوق تسجيل مخفضة أو حتى مجانية أحيانا، لتجربة ردة فعل المستهلك تجاهها، وكلنا نعلم قوانين وشروط الدخول لتلك المراكز والتي تعتبر تعجيزية للتجار الصغار أو من يود خوض تجارب بموارده الخاصة، ولم يعتمد التمويل البنكي الربوي، والعمل على العقود الكبرى والأعداد الخيالية من الحاويات، فهي مرحلة متقدمة تسبقها استعدادات وضمانات وإلا كانت مقامرة أكثر منها مغامرة.

في هذه الجزئية أجدني أقارن أداء قنصلياتنا وسفاراتنا في مختلف الدول، ومع ما تقوم به دول أخرى أقل منا مواردا وشهرة وحتى قدرات نظريا، إلا أن نشاطها الدؤوب ومتابعة ومساندة تجارها ومصدريها مع مختلف الجهات الحكومية المعنية في البلدان التي يريدون التصدير إليها، يجعلني أشعر بالفرق الكبير، في القدرة على المنافسة في المستوى العالي، بل الاكتفاء حاليا بالعمل مع الوسطاء من جنسيات أخرى، أو التكامل مع الإخوة التونسيين والمغاربة في توفير المنتجات، وهو الحل الذي وجدت فيه بعض النماذج الناجحة نسبيا لحد الآن.

الملاحظ أن هناك نقص في المعلومات المؤكدة والمحينة، وهذا راجع لغياب ثقافة الشفافية والتواصل الذكي بين المصالح الحكومية المعنية والمتعاملين الاقتصاديين على غرار ما يحدث في البلدان التي توفر ما يكفي وزيادة من المعلومات بأسلوب واضح وآني، حتى صرنا كمصدرين جزائريين نبحث ونحصل على المعلومات حول واقع التصدير في الجزائر من خلال المستوردين الأجانب، وحتى المصالح الحكومية الأجنبية ومؤتمراتها ومعارضها.

أحيي بالمناسبة كل الجهود الشخصية التي يقوم بها نخبة من الشباب والخبراء الجزائريين في المجال بفتح مجموعات وصفحات في شبكات التواصل الاجتماعي بغرض تمرير الخبرة، وتصحيح بعض المفاهيم والتصورات الشائعة، وطرح نقاشات في مختلف تفاصيل عمليات التصدير، وتشجيع وتحفيز المصدرين الجدد لمختلف الوجهات في العالم، وحتى مداخلات ومشاركات المقيمين الجزائريين في الكثير من الدول واقتراحهم لما يحتمل فيه النجاح من المنتجات الجزائرية، وكل هذه جهود قيمة ستثمر ولو بعد حين.

بهذا سأختم هذه السلسلة حول التصدير في الجزائر، وستكون هناك حلقات أخرى عن التصدير عموما، سواء مكتوبة هنا فقط، أو حتى في قناتي على يوتيوب بتفاصيل أكثر إن شاء الله.

Exit mobile version