fbpx

حتى المشاريع تبلى… فجدّدوا خططكم!

تحرص فرق العمل على انتهاج خطط معينة تحدد بها مساراتها، تحضّرها بدراسة مستفيضة، وتستثمر فيها أوقاتا وجهودا وحتى أموالا معتبرة، وهذا تحت مسميات عدة أهمها التخطيط الاستراتيجي، إلا أن الظروف تفرض إعادة النظر أحيانا في بعض أجزاء الخطط أو كلياتها، مما يستدعي تعديل المسار وتكييفه باستمرار.

اتخاذ الخطط وتحديد المسارات مبني في أغلبه على قواعد مضبوطة، والحديث عن ضرورة ذلك أمر مفروغ عنه لما له من نتائج فعلية على أرض الواقع، لست بصدد إثباتها أو التفصيل فيها، على شرط أن تحترم المقاييس وتراعى القواعد التي وضعها مؤسسو هذا العلم القائم بحد ذاته، دون إغفال جانب التوكل والإيمان بقدرة الله جل وعلا، فكل ما هو مؤمل للمستقبل بيده سبحانه وتعالى، والمطلوب منا اتخاذ الأسباب.

وأخذا بالاتزان والوسطية في أمور الحياة يجب علينا تفادى التطرف يمينا أو يسارا، إذ لا يمكن أن نلغي تماما كل تفكير في المستقبل بدعوى التصرف في الغيب، فهذا يعتبر تواكلا وهو تصرف سلبي يصدر من الكثير في محيطنا للأسف، بل تؤيده أقوال نرددها دون فهم عمقها ومغزاها الحقيقي، وغالبا ما أفسد التأويل الخاطئ نبل القضايا وشرعيتها.

هذا من جهة ومن جهة مقابلة علينا ألا نولي كل تلك الأهمية لما نخطط في الأوراق أو الأذهان دون الاعتماد أولا وأخيرا على مشيئة الله وقدرته، وهنا نجد أنفسنا طبيعيا أمام خيار واحد هو اتخاذ الأسباب والتوكل على الخالق عز وجل، وسنن الله لا تحابي أحدا، فمن استعد واستشرف ووضع الخطط وصل، ومن نام واتكأ وتخاذل بقي في بقعته بل تأخر وتقهقر.

مسارات المشاريع مزيج بين معطيات حاضرة ثابتة وأخرى متغيرة طارئة غير مستقرة، وبين هذا وذاك نرسم الخطط ونرجو خيرا بما هو آت، فالبداية عادة ما تكون بتقييم الإمكانات المتوفرة، وتحديد نقطة الوصول، ليتم العمل على ربط النقطتين بوسائل لتحقيق أهداف محددة، ثم سرعان ما تتحول تلك الأهداف أيضا لتستعمل كوسائل نصبو منها لأهداف أكبر وهكذا دواليك، في الأخير نجد أنفسنا نسير وفق مسار واضح المعالم في أغلبه، نرى أنوار الطريق ونسترشد بها.

من الحكمة أن يكون اختيارنا لمسار ما مبنيا على ما هو متوفر لدينا من طروف وإمكانات، مع ترك المجال لأي تعديل وتكييف حسب الظروف التي تطرأ، سواء تم ذلك بتوقعات منا أو جاء الظرف خارج دائرة التوقع تماما، فهنا من الأجدر استعمال قاعدة الخطط المتعددة (الخطة (أ)، و (ب)…) وكلما كانت بيئة العمل أكثر استقرارا قل عدد الخطط أو السيناريوهات المحتلمة، فدراسة البيئة الخارجية والداخلية عنصران مهمان جدا في تحديد وجهة الفريق وأي المسالك عليه أن يختار.

وكظاهرة صحية منطقية يسري الشك في فريق العمل ويتملكه الملل حينما يجد جهودا كبيرة تبذل لا تترجم لنتائج ملموسة واضحة أو تكاد تنعدم، فالخلل الأكثر احتمالا هنا يكون في عدم التجديد أو تقييم المسار، عليه إعادة النظر في الخطط المتبعة باستمرار، وإن استلزم الظرف تغييرات جذرية على مستوى الفريق، أو المسار العام، كالتخصص والموقع الجغرافي وغيرها من الجوانب المقدسة في نظرنا، وهنا يجب ترك كل الأصداء الخارجية (كلام الناس) جانبا والعمل على ما ينقذ المشروع من زواله.

يسقط بعض من ينتهج التخطيط ويؤمن به إيمانا راسخا في فخ تقديس مخططاته، فيعمى عن كل ما يعتبر تهديدا لمشروعه، ويخطو خطوات أشبه منها بالحلم، وأقرب للوهم، لتكون الصدمة شديدة في أرض الواقع حين يقف على أول اختبار حقيقي لما خطط، فيخسر ثقة من معه، ويصعب عليه ترقيع ما أفسد واستدراك ما ضاع ماديا أو معنويا، فالتخطيط لا يعني القفز فوق الواقع بقدر ما يعني تجاوز المألوف بإبداع وحسن تدبير، والتخطيط لا يعني التحليق في الفضاء دون أجنحة في مغامرة أشبه بالانتحار.

مسار العمل يتحدد من داخل الفريق مع اعتبار العوامل الخارجية، ويتغير كذلك أو يستقر بقوة داخلية ذاتية، أما عن نتائجه وانعكاساته فإن باركها الله جاءت ذا أثر طيب وإن قل حجمها في نظر الإنسان، لذا فمن الخلل أن نربط مفهوم التخطيط بالأعمال المعقدة والشركات الكبرى ونختزله فيها، بل هي ذهنية شخصية إن آمن بها أي منا بدأ بتطبيقها في أبسط أمور حياته إلى أوسعها، والقاعدة واضحة “إن لم يكن لك برنامجك (أو مخطط) فأنت آليا في برنامج غيرك”.

ما جعل مؤسساتنا ومجتمعاتنا دائما في موقف انتظار ما يُؤتى به من هناك من الضفة الأخرى، هو ضعف جانب التخطيط، أو مجرد الاقتناع بجدواه، فأصبحنا رهينة برامج غيرنا، نردد معهم ما يقولون، ننكر إن فعلوا ونرحب إن رحبوا، وإن أردنا أن تكون لنا فرق عمل تؤمن بالتخطيط فعلينا العمل أولا على بث الوعي به من مستوى الفرد وصولا للمجموع، مع طرق أبواب الله مرارا وتكرارا دون الوقوع في المحذور، حينها سنتقبل ما يستقبلنا أكان موافقا أو مخالفا لطموحاتنا وآمالنا ونتعامل معه من موقف قوة وحكمة، نتواضع لنجاحاتنا ونعزو الفضل لله أولا وأخيرا، ونعدل من مساراتنا، ونكيّف برامجنا ونراجعها إن أخطأنا.

وإن مرّرنا ولو سريعا مجموعة أمثلة أمام ناظرينا لأفكار ومشاريع تجاوزها الزمن وصارت في طي النسيان أو كادت، وجدنا غالبها لم يواكب موجة التغيرات حولها، فتسابق معها منافسوها وتجاوزوها بسنين ضوئية، والأسف كل الأسف حين نعلم أن هناك مشاريع طموحة حملت أفكارا جميلة هادفة، إلا أن أداء حامليها خذلها، ووسائلهم التي اعتمدوها لم تكن في مستوى رجاحة الفكرة وثقلها.

الاجتماعات واللقاءات أمران مهمان لفريق العمل كي يصمد في وجه الأعاصير فضلا عن الزوابع الصغيرة التي تثور أحيانا في فناجين صغيرة، فمزيج بين الليونة والصرامة، وشيء من المقاييس وجزء من تجاوزها، المهم أن تتوفر المعلومة كل مرة، وتتلاقح الأفكار وتتداخل عند كل لقاء، ولا خير في أي فريق عمل إن كان لايزال يؤمن بعقد اجتماعاته في الأزمات فقط، ليؤدي دور رجال الإطفاء، فما دام يتصرف بهذا الشكل لن يصل بعيدا، بل سيعود قريبا، خاصة إن علمنا أن الجلوس للآخر بحد ذاته أمر محبب ومطلوب، فما بالنا إن كان هذا الآخر فريق العمل؟

الملل شعور طبيعي في الإنسان، ومادام الإيمان يبلى كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم، فما بالنا بما هو أقل منه؟ فلنحدث خططنا باستمرار ونجددها، ولنتعامل بكل صدق وقوة مع ظروف الحياة وبدواتها. الثقة في النفس إن وجدت مع إيمان قوي بالله وبالفكرة كان النحاج محققا، علما أن النجاحات الكبيرة لا تعرف إلا من بعد جملة إخفاقات، والضربة التي لا تقصم الظهر تقوّيه.

مقالات ذات صلة

‫5 تعليقات

  1. بارك الله فيك أخي جابر
    استفدت كثيرا هن هذا المقال، جعله الله ثقلا في ميزان حسناتك
    وفقك الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى