كعادتي كل صباح ألقي نظرة خاطفة على مواقع الجرائد الوطنية الواسعة الانتشار، في كل مرة أحمل جملة من الانتقادات حول تلك الجولة، فتغلب انطباعاتي السلبية مقابلها الإيجابية، هناك أسمع نداء داخليا -أعتقده الضمير- يؤنبني! ما الذي ألجأك إليها حتى تعود منها خائبا حانقا غاضبا ساخرا آسفا كل مرة!…
وحتى ما أشاركه منها من الروابط في الفيسبوك أو ما يشاركه أصدقائي فهو من الأخبار الغريبة والمعجزات التي لا تحدث إلا عندنا فتستحق التعليقات الساخرة عن جدارة، وهذا غالبا ما يحدث، إلى أن أصبح الأمر قاعدة، فيما الجميل والمفيد في جرائدنا هو الاستثناء والنادر، مما أدّى بي يوما لوصفها بصحافة الفتنة والهواية!
فبداية لا أتفق مع من يرمي الجرائد بأسمائها جملة وتفصيلا في سلة واحدة، أو يمجّد الأخرى كذلك كلية وبصفة شاملة، كلهنّ في مستوى متقارب متفاوت، على الأقل في نظرتي الخاصة المتواضعة، فإن كنت قد انتقدت جريدة ما، فلمجرّد تصرّفات سيئة كثيرة قد وقعت فيها، لكن المؤسسة الإعلامية ككل لها احترامي.
سألني صديق ذات يوم، إن توفّرت لك فرصة الكتابة في جريدة وطنية من التي تقسو عليها كل مرة فهل ستقبل المهمّة؟ أجبته بعفوية: ولم لا؟ ثم واصلت موضّحا: لا تعتبر الأمر تناقضا، وإنما عليّ أن أرى نصف الكأس الممتلئ وليس الفارغ، فهناك أقلام رائدة تكتب في تلك الصحف، إلا أن صوتها يحتاج لغيرها كي تقوى به، فجرائدنا غلب عليها المستوى السيء، والبضاعة المستهلكة الكاسدة، فيما لم يجد فيها أصحاب العقول والرأي السديد الطريق مفروشة بالورود، وهم يجاهدون أقلامهم وأفكارهم لينالوا مساحة محترمة في هذه الجريدة أو تلك، فيما يأتي مغنّ فاسق لا ثقافة له ولا علم، لتجده متربّعا بفضيحته على الصفحة الأولى!
لما أرى جريدة وطنية تأخذ على عاتقها قضية تهمّنا كمواطنين أو مسلمين أو… إلخ، فلا أشك أن الغرض من ذلك تجاري محض، لا علاقة له لا بالمبادئ ولا الرسالة ولا هم يحزنون، فأن تتساوى مباراة كرة قدم مع مقتل آلاف الناس من أشقّائنا وإخواننا ظلما، واغتصاب عاهر لخليلته ثم عودته لأرض وطنه معزّزا مكرما، ووجود ناعق آخر يرد على الناهق الأول ويصف نفسه بما ليس في الخلفاء الراشدين!، وبين تلك القضايا تجد لاعبا من المنتخب الوطني ينشط في ريال مدريد أساسيا… عفوا عفوا! تجد لاعبا يتهجم على مدرّبه ووطنه ورفاقه في مهمتهم الوطنية التحريرية المظفّرة، المهم هناك خلط كبير يجعل أي قارئ يميّز الأمور يتفقّد عقله كل مرة ليطمئن على سلامته، فيتيقّن أن تلك الجريدة أو الأخرى لم يكن همّها من أول يوم سوى $ أو € أقصد د.ج!
ولكي لا أكون متهما لجريدة واحدة فهناك أخرى التي أخذت على عاتقها مهمة كشف الحسابات، ليس لغرض محاربة الفساد أو مكافحته، فهذا شيء نبيل، ولكن بمبدإ: “لست معي فأنت ضدّي”، فكم لاحظت من ملف فتحته تلك الجريدة بقسوة وبعبارة: “حصريا” أو “كما انفردنا” تعود في وقت آخر بعدما تم عقد الصفقات بينها وبين الطرف المهدورة دماؤه سابقا، لتجعل منه الشريك الأول للتنمية، والنموذج الجزائري الرائد، وغيرها من الشعارات الفارغة في تقارير مطوّلة.
أتساءل ببراءة؟ لماذا لم يتم إيجاد بديل محترف موضوعي معبّر بصدق عن الثقافة بمعناها النظيف الطاهر، جريدة لا أجد في صفحاتها أخبار العهر والفسق والراي، على أساس كونها ثقافة جزائرية أصيلة علينا الحفاظ عليها، لا أرى في واجهتها صورة لاعب كاد أن يوقّع لذلك الفريق من الدرجة السابعة الليتوانية أو المالطية، لا أجد تلك الأرقام المفزعة عن الاختلاسات والسرقات وكأنّها الحدث الأبرز الوحيد ذلك اليوم، لا أجد تلك الرعاية الضخمة لبرنامج يسلب الهويّة ويعوّضها بالهاوية، يهدم العقول ويبني الفراغ، برنامج قيل إنه عودة المدرسة، ولكن لم أره إلا مغيّبا لها، مقلّبا لمعناها وسرّها.
أتخيّل جريدة تغطّي أخبار الوطن بصراحة، تولي للعقول الشابة والخبرات مساحات واسعة، تنشر أخبار علمية بتغطيات معمّقة، تنعي وفاة العلماء لا المغنّيين وتنشر سيرهم وتعظّم قدرهم، تعلن عن المبادرات “الخيرية” بإسهاب وتوفّر الدعم اللازم لها، ولما أقول الخيرية لا أعني بذلك أن تخصص غانية حفلا فنيا ساهرا راقصا لفائدة ضحايا قصف أو زلزال!، فالأعمال الخيرية هي ما يقوم به الخيّرون أصحاب السلوك المتّزن السوي وما أكثرهم.
أتخيّل جريدة تتناول بعدل أخطاء المسؤولين كما تتناول إنجازاتهم، تقلّل من أخبار الجريمة التي لا فائدة من ذكر كل تفاصيلها حتى غدت مدرسة لمن يودّ تعلّم فنون السطو والاحتيال وحتى القتل معاذ الله، تعوّض ذلك بمحتوى راق يسمو بالعقل ويدفع به نحو الأمام، لا يثبّط العزائم ويزرع اليأس في النفوس، منذ الصباح الباكر.
في الأخير أوجّه همسة لمن نثق فيهم ونعتقدهم دائما روادنا في العلم والمنزلة والقدر، فحين تأتي لكم تلك الجرائد في أعياد ميلادها طالبة منكم كلمة بالمناسبة، حاولوا أن تقدّموا نقدا لاذعا قيّما محترما، لا أن تواجهوهم بعبارات المدح والإطراء، فكيف لك أن تقبل كشيخ أو دكتور أن تكون صورتك في الجريدة -إن نشرت- جنبا إلى جنب مع صورة ذلك أو تلك المراهقة المحكومة متلبّسة بفضيحة من العيار الثقيل، كما يحلو لجرائدنا أن تنعت أخبارها الجوفاء كل مرة.
شخصيا لم أعد أطالعها، وكل ما أطلع عليه -إن حدث- يكون الصفحة الأخيرة ركن الكاريكاتير
إنها مشكلة عامة في صحف عديدة وليست مشكلة جزائرية، فلو رأينا مثلا أخبار الشرق الأوسط أو القدس العربي أو الحياة أو … هي نفس نوعية الأخبار هنا، تضليل وتدقيق في لا هوية،
أظن أن الأقلام التي تكتب في هذه الجرائد هي ما تجعلني أزورها، فمثلا عمار يزلي بجريدة …. (لا أحب أن أذكر لأنك حرصت على ألا تفعل) وأنيس منصور وسمير عطا الله أقلام جيدة أتمتع في القراة لها .. مثلما أفعل مع تدويناتك.
بخصوص قولك عن الجريدة التي أخذت على عاتقها مهمة كشف الحسابات، ليس لغرض محاربة الفساد أو مكافحته، فهذا شيء نبيل، ولكن بمبدإ: “لست معي فأنت ضدّي”، واضح أنها النهار الجديد، قلنقلها صراحة، منذ عامين كتبت موضوعا حول النهار التي تنشر حقائق عن أوراسكوم تيليكوم وتشن حملة عشواء ضدها، في ذلك الوقت لم تكن تتحصل على الإشهار من هذه الشركة، في الأيام الأخيرة لاحظت 3 صفحات إشهارية “جيزية” على النهار الجديد، فهل يعقل أن تبقى الحملة الإعلامية ضدها، بالتأكيد لا…
هذا ما تكرهه في صحافة تدعي كشف فضائح الفساد، بينما الحقيقة هي أنها يمكن أن يسكتها المال، وهو الفساد الإعلامي…
[…] […]
أنا لا أقرؤها ولا أطل فيها و لا هم يحزنون ، أسعى دائما لتفقد أخبار الجزائر من الخارج لأن المصداقية مرتفعة معهم بغض النظر عن التوجه و الهدف …
احب فيك اخ جابر الرغبة في التغير للأفضل .. أو بمعني اخر المثالية أو المدينة الفاضلة .. سواء كان في اﻷسواق والصحف وفي كل شيء .. دائما تعجبني الخلاصة في نهاية التدوينة عندما قلت :
فحين تأتي لكم تلك الجرائد في أعياد ميلادها طالبة منكم كلمة بالمناسبة، حاولوا أن تقدّموا نقدا لاذعا قيّما محترما، لا أن تواجهوهم بعبارات المدح والإطراء، فكيف لك أن تقبل كشيخ أو دكتور أن تكون صورتك في الجريدة -إن نشرت- جنبا إلى جنب مع صورة ذلك أو تلك المراهقة المحكومة متلبّسة بفضيحة من العيار الثقيل، كما يحلو لجرائدنا أن تنعت أخبارها الجوفاء كل مرة.
إن كان من حقك أن تعطي نظرتك الخاصة لما تتمناه شخصيا من الصحافة الوطنية، ففي نظري آنت تعديت ذلك إلى دور من يملي ويختار المواضيع التي تليق و الآخرى التي لا تستهل الذكر. ذاك يذكرني بأيام الصحافة الآحادية.
هنالك مجال للكتابة في جميع المواضيع حتى ما هو تافه في رأيك. المهم هو أن تجد أنت الجريدة التي تفيدك بما تتطلع إليه كقارئ. فإن كانت المواضيع المتناولة في معظم الجرائد الناطقة بالعربية تبدو تافهة (مامي، خالد، الفريق الوطني كرة القدم…) فهذا يدل على مستوى القراء أكثر مما يعكس مستوى الصحافيين . إنعدام جريدة وطنية ذات مستوى يؤشر فقط على انعدام قراء لها في الجزائر.
شخصيا، أقرأ الجرائد الجزائرية التي تكتب بالفرنسية، مستواها أعلى و لو لم يكن مبهر. أنتظر من الصحافة أولا وقبل كل شىء آن تتعامل مع الواقع مهما كانت مرارته. آنتظر منها أن تتعاطى مع هذا الواقع بأسلوب التحليل و التعمق لا أسلوب التأسف آو الإزدراء . مثلا كيف في يوم ما بدا وكأن مصير شعب بأكمله تعلق بمصير مقابلة في كرة القدم ، كيف نسي أو تناسى هذا الشعب مأساة أودت بحياة مئات الآلاف دون أن توضع على تلك الَضحايا أسماء تذكر آو حتى معنى للمأسإة … ومع ذلك أتفهم أن يوجد هنالك من يفضل آن يجد في الصفحة الأولى لجريدتة المفضلة رد خالد لمامي…
هذا هو حال جرائدنا و أنا أوافقك الرأي تماما لان جرائدنا جوفاء حقيقة
أنا أوافقك الرأي تماما لان جرائدنا جوفاء حقيقة
صدقة أخي
أتفق معك في تمني كل ما ذكرت من ميزات، وأضيف أمرا جديدا وهو إيجاد بعض الأعمدة الجديدة مخصصة للقراء أن ينشروا فيها مقالاتهم، وأؤكد أيضا على أن تكون الصحيفة تؤمن بالحوار الحقيقي مع الرأي المخالف، فهو من أهم أسس الوصول للحقيقية وارقي بمستوانا الفكري والإعلامي.
السلام عليكم , نعم صدقت في ما تتضمنه الجرائد وما تلجأ اليه فقط وفقط من اجل ان تبيع اكثر وتكون محط الانظار لا لان تحذر من النصابين او تتهم مذنبين او تشير علي المفسدين,,
وتطرققك اخي الكريم للموضوع جيد جدا وهذا حال كل الجرائد العربية والكثير من الجرائد حول العالم ايضا ,
فأنا اتعجب من مثل هذه الصحف فهل من يديروها لا يستحيون من انفسهم انهم يكتبوا اشياء بدون دليل
والله المستعان
“ما الذي ألجأك إليها حتى تعود منها خائبا حانقا غاضبا ساخرا آسفا كل مرة!…”
من أجل هذا فأنا حسمت الأمر و أخذت القرار أن لا أقرأ الجرائد و أن لا أضيع وقتي في قراءات سخيفة و عقيمة في معظم الأحيان. طبعا هذا لا يعني أنني لا أقرأها تماما، لكن قراءتي ليست يومية و ليست منتظمة. و لا تكون بهدف البحث عن “الحقيقة” كما يحلو للبعض أن يروج لأخباره، و لكن بحثا عن الخبر أو الحدث فقط، أما التحليل فالكل يحلل كما يحلو له، حسب مصالحه و اتجاهاته الشخصية و السياسية.
في الأخير أوجّه همسة لمن نثق فيهم ونعتقدهم دائما روادنا في العلم والمنزلة والقدر، فحين تأتي لكم تلك الجرائد في أعياد ميلادها طالبة منكم كلمة بالمناسبة، حاولوا أن تقدّموا نقدا لاذعا قيّما محترما، لا أن تواجهوهم بعبارات المدح والإطراء، فكيف لك أن تقبل كشيخ أو دكتور أن تكون صورتك في الجريدة -إن نشرت- جنبا إلى جنب مع صورة ذلك أو تلك المراهقة المحكومة متلبّسة بفضيحة من العيار الثقيل، كما يحلو لجرائدنا أن تنعت أخبارها الجوفاء كل مرة.
السلام عليكم أخي جابر
هذه الخلاصة هي الفائدة والخلاصة بجد , نرجو ان يتنبه لها كل من يريد أن يظهر اسمه في جريدة ما ؟؟؟
رسالتنا قبل رسالتهم …
[…] من الانتقادات حول تلك الجولة، فتغلب انطباعاتي السلبية [ قراءة المزيد .. ] هذا المقال أستخلص من مدونة جابر ، ومن هنا يمكنك […]