وصف المفكر المبدع مالك بن نبي رحمه الله في مؤلفاته القيمة بغصة تعتصره واقع الجزائر كدولة مستعمرة ثم متحررة مع قابلية واضحة للاستعمار، ولم يخف حينها تخوفه من الأنفاق المظلمة التي سيدخلها الشعب مرغما بانتهاجه المسلك الخطأ، واعتماده على أفكار ميتة مميتة من أعلى مستوى لأدناه…

هذا ما جر عليه الويلات وذاق منه مرارة غربة فكرية ومضايقات نفسية وجسدية لازمته إلى قبره، فالبلد حينها لم تكن بحاجة لمن يخالف مسارها ويفكر ويعيش بمبادئه خارج المنظومة الشائعة… ورغم اقتراحه الحلول، وسنّ النظريات العميقة، ووضع خطط فعالة للخروج من مأزق التبعية والتخلف والضياع إلا أنها لم تلق الصدى إلا في بيئات أخرى وعند أقوام ودول أدركت معنى العلم والتخصص والبحث عن وصفات التطور والنمو…

“البوليتيك” مصطلح أطلقه المفكر على سياسة البلد حينها، ورأى أن القيادات لم تكن تمارس السياسة بمعناها العلمي الحقيقي في يومياتها بقدر ما كانت تسيّر شؤون الرعية المغبونة بالبوليتيك وهي القرارات الآنية الارتجالية والتعامل مع المستجدات بردات فعل غير منطقية، مع تغييب الكفاءة وتوزيع المناصب بذهنية “ولد الحومة” والانتماء الحزبي ومن يحسن التصفيق، وقبل كل ذلك وبعده غياب أرضية قانونية تحكم العلاقات وتحفظ الحقوق وتجسد العدالة بمعناها الإنساني…

استمرار مهازل تصريحات المسؤولين وانزلاقاتهم مؤخرا ينبئ بهذه الصورة ويفصح بوضوح عن مفهوم البوليتيك الذي لم يتوقعه مالك بن نبي حتى في أقصى كتاباته الحزينة المتشائمة، لذا فلا ينفع أن نضيع وقتنا ومزاجنا وطاقاتنا لنكتب عنها بوجود من يعاني من الشعب ب متلازمة ستوكهولم، في مراحلها المتقدمة الصعبة.إلى ذلكم الحين… وإلى أن نجد حقا ما يدل على وجود سياسة أو ما يشبهها… سأكتب عن زرقة السماء وزقزقة العصافير وجمال القمر…. وسأحاول جاهدا مجتهدا أن أعمل بنصيحة صديق عزيز…. اخطيك من البوليتيك!