جميلة هي الإنجازات الفردية، وأجمل منها الفتوحات الجماعية، وكلاهما في معادلة الإنسان أمر ضروري، إذ يختلف التوفيق بينهما من شخص لآخر، ويتباين الميل لكفة منهما على حساب الأخرى من إنسان لإنسان، والمعايير المتحكمة في كل ذلك هي طريقة التنشئة وظروف البيئة وكذا منهجية التعامل والتصرف مع النفس والغير، مع “الأنا” والـ “نحن”، فتتشكل شخصية ذلك الإنسان وتظهر في تصورات وأحكام ومواقف يقوم بها…
يحتار الإنسان في التمييز عادة بين تحقيق ذاته وطموحه، وتوفيق ذلك كله ضمن مجموع يعمل فيه، فما هو الفاصل في ذلك، وكيف يوازن؟ نعم فالتوازن هو الحل الأمثل نظريا، إلا أنه لا يتحقق ببساطة في الواقع، إذ تتحكم فيه العاطفة أحيانا، وتسوقه الغريزة الفطرية أحيانا أخرى، وأي ميل لكفة دون الأخرى يحدث نوعا من الخلل، يجعل الشخص نفسه يعيد التفكير مرارا، كما يفتح له بابا من أبواب المساءلة الداخلية بينه وبين نفسه وضميره في مزيج يصعب فكّه وتفهّمه، ونافذة من النقد الخارجي لتصرفاته من أقرب الناس إليه أوبعدهم.
فعلا فالمسألة دقيقة وتحتاج لقرارات صعبة وجريئة، مبنية على قناعات صحيحة وراسخة، فليس من الرأي الصائب الذوبان كليا في إطار مجموعة مهما كان توجهها وميولها، وإلا لكان الإنسان حينها ترسًا ينتظر إشارة الانطلاق فقط لينطلق، كما يكون على أتم الاستعداد دوما للتخلي عنه كآلة لا شعور لها، ولا تاريخ ولا مستقبل، مضحيا بجهوده في غير محلّها، ومثابرا بعرق جبينه ضمن سياق لا يرقى لآماله وطموحه، فلا يكتشف ذلك إلا بعد فوات الأوان.
ومن زاوية أخرى فتحقيق الذات تحقيقا مبالغا فيه يجعل ذلك الإنسان مستغلا لغيره تمام الاستغلال، لا يتعامل إلا من وراء مصلحة شخصية ضيقة له، فيستعمل الناس لسذاجتهم أو حسن نيتهم ليخدموه وخطّه وتفكيره دون أن يمهلهم فرصة التفكير والمشاركة في عملية البناء، إذ يطبخ في الكواليس ويقدم لهم الوصفات جاهزة على طبق، وهذا صنف أيضا لا يعمّر طويلا في الريادة، وسريعا ما يسقط قناعه حين تكتشف خيوط اللعبة لديه عاجلا أم آجلا، إذ المسألة مسألة وقت فقط.
أمام هذا وذاك، على الإنسان (أو المنظمة) أن يتخذ الوسط محققا ذاته، ساعيا في تحقيق ذات الآخرين أيضا، بمبدأ وذهنية النافعية لا النفعية، وبمعنى أن كل إنجاز فردي هو لمصلحة المجموع، وكل إنجاز للمجموع هو في خدمة الفرد، وما من مجموعة يعمل من فيها بإخلاص مقدما مصلحة غيره على مصلحته فستتحقق الإنجازات الفردية والجماعية في انسجام وتناغم لا مثيل لهما، وتتوالى الفتوحات مما كان مخططا ومما لم يكن في الحسبان… وفي مشهد التاريخ والحاضر مشاهد ووقائع رأيناها ونراها رأي العين…
مقالة منشورة في موقع: مزاب ميديا
Be the first to write a comment.