fbpx

الأحداث العلميّة… وأي فائدة ترجى!

تعقد المؤتمرات وتقام الملتقيات، تنظّم الندوات والفعاليات ليجتمع فيها أصحاب التخصص أو المجال أو الهمّ أو الاهتمام المشترك، وتبذل في سبيل ذلك جهود معتبرة تكبر وتصغر على حسب حجم ذلك الحدث ودائرة تأثيره، ونطاق أهدافه، وبين هذا وذاك هناك من يؤيد وهناك من لا يرى فيما ذكر إلا مضيعة للوقت والجهد، فأين يكمن الخلل؟

يسوقني الحديث أحيانا مع الأصدقاء حول هذا الموضوع، فأجد أن هناك فجوة فظيعة، وتضاربا واضحا في الآراء والتصورات، فمِن معتقد بفائدة هذه التجمعات مهما كان نوعها ومنهجها، إلى رافض للفكرة واعتبارها نوعا من البعد عن الميدان، وتهربا من المواجهة المباشرة للإشكالات، وفي كلا الرأيين مبالغة وتطرف.

بداية وللتبسيط فعليّ تفكيك المسألة مؤقتا ثم تجميعها بعد التحليل والتأمل، إذ هناك عدة أطراف تقوم بأدوار جوهرية لإقامة مثل هذه الفعاليات باختلاف أنواعها إلا أنها تشترك في كونها لا تخرج عن دائرة التنظيم أو المحاضرة أو الاستماع والمشاهدة، فهي أعمدة ثلاثة بها ترفع أعمدة الحدث وتشيّد طوابقه، وأي خلل في إحداها فلا تقوم للحدث قائمة، ولا جدوى ترجى منه.

الملاحظة أننا بمشاركتنا ومساهمتنا في أي قسم من الأقسام المذكورة نكون قد استفدنا الكثير، استفادة يمكن أن تظهر بشكل مباشر، ويمكن أن تكون مضمرة قليلا فتصلنا بوادرها بشكل غير مباشر، كبذور تأخذ مكانها في التربة تنبت وتنطلق في حينها لما تتوفر ظروفها المناسبة، والاستفادة من النوع الأخير هامة جدا ونتائجها قوية ومؤثرة وإن تأخرت في نظرنا، فلا نستعجل النتائج.

عودة إلى الاستفادة، فمن ناحية التنظيم ستكون أمام فرصة ذهبية لتعلم مهارات العمل الجماعي، والتعامل مع مختلف أصناف الناس، وهذا يعتمد أيضا على حجم الحدث الذي تشارك فيه، كما أن الإسهام في التنظيم يتيح لك فرصة الاحتكاك بكفاءات عالية من المشاركين كمحاضرين أو ضيوف شرف، وهذا ما لا تتيحه لك الأيام دائما، فاستغلال الفرصة بحسن التصرف والإحسان أداء المهمة يصقلان جانبا مهما من شخصيتك، وكما تخدم غيرك اليوم، فسيأتي اليوم الذي تُخدَم فيه، وهذه سنة الحياة.

أما إن كان الحضور بصيغة المشارك المحاضر أو المتحدث أو الضيف الشرفي فهي كذلك مرتبة مشرّفة إلا أنها مسؤولية كبيرة لا يتقدم إليها إلا من استأنس من نفسه القدرة على الإضافة، وفيها أيضا فائدة كبيرة من ناحية العلاقات والتواصل، كما الاستفادة من النقد والملاحظة على ما يتم تقديمه كمادة علمية.

ثالث الأصناف هي المشاركة لغرض الاستفادة والاستزادة من المحاضرات والدورات والمناقشات، وفيها أيضا جانب مهم من العلاقات المهمة، والتواصل المباشر مع الكبار في مجالهم، فعلى المشارك حضوريا أن يعزم النية على الاستفادة غير مغفل لعينه اليقظة في التحليل والمناقشة في حدود ما يعلم، فتبقى طروحات الملتقيات والمؤتمرات في أغلبها آراء تستحق النقد والمراجعة، فعلى المنصت المتعلّم أن يكون حكيما متفطنا في الاستيعاب، وذكيا متخلقا في الرد والنقد إن توفر له ذلك.

هذا بالنسبة لكل جزء منفصل من تلك الأحداث العلمية، فماذا عنها مجملة متحدة؟ لذا عليّ هنا أن أذكر نقطة أراها جد هامة وهي الجودة في التنظيم مما يقابله جودة في كل فقرة من فقرات الحدث، فلا ننتظر الكثير من مؤتمر أقيم لغرض المؤتمر نفسه، ولهدف رفع عدّاد الإنجازات للجهة المنظّمة، وهذا موجود بكثرة، إنما كل تلك الجهود ما هي إلا وسيلة وجسر للوصول لهدف أسمى ولتحقيق أثر أعمق.

ومن جملة أهداف التجمّعات العلمية ترك الأثر الطيب والتأثير ميدانيا، يتحويل ما قيل إلى سبيل التفعيل، ولا يقع هذا إلا بتحديد الإشكالية العامة التي من أجلها تم الاجتماع وكذا الإشكالات الجزئية تحديدا دقيقا، ثم كمرحلة ثانية لا تقل أهمية هي انتقاء من يحاضر ويسهم بعلمه في توفير الحلول وتقديم البدائل، وفي الأخير لابد من نقاط عملية تكون وليدة ذلك الملتقى وتوجه مباشرة للتفعيل الميداني بالإجابة عن الأسئلة الضرورية من لماذا؟ وكيف؟ ومن؟ ومتى؟ وأين؟ وإلا فستكون حبيسة الأدراج أو صفحات كتاب سيصدر عن الملتقى لاحقا.

أقول هذا لأنه فعلا أمر واقع ولا يمكن تغطيته أو إنكاره، وهذا ما يبرر قليلا للرافضين، ولكنه ليس مبررا كافيا، فهناك الجانب المشرق من النماذج الفعّالة، فالخلل في صاحب الأداء وليس في الفكرة، وكم ظلمنا من فكرة بهذه الزاوية من التحليل، ففي الاجتماع خير كبير لو حددنا (لماذا؟) وكنا متقنين لـ (كيف؟) وأحسنا انتقاء (من؟) واخترنا (أين؟ ومتى؟) بشكل مناسب.

أشير لأمر أراه هاما جدا ربما لسائل أن يتساءل عنه، وهو جانب المحتوى والرسالة، فلا يكفي أن نحترف الأداء ونبدع فيه لأمور خاوية فكرا وجوهرا، وهذا ما تفوق به علينا غيرنا ممن يدافع على فكرته دفاعا مستميتا، فيبهرنا حقا بالشكل ونغبظه على ما وصل إليه من مستوى عال جدا من الأداء، وفي المقابل من يحمل رسالة نبيلة ومعاني ثقيلة قيّمة يخذلنا بأدائه المهترئ، فبربكم كيف نطلب التأثير الجيد واقعيا بعدها؟

قبل الختام أعود لمن يعتبر تلك الملتقيات مضيعة للوقت ويرى عوضها العمل في الميدان، فأبيّن له بأن أغلب ما يفعل ويتصور ويتخذ من مواقف قد رسمها له غيره ممن يعرف متى وكيف يخطط وينظّر بمثل هذه الفعاليات، فالعمل دون تفكير مسبق وتدبير محكم لا يعدو أن يكون غثاء كغثاء السيل لا يجد له أي أثر يذكر.

أخيرا أدعو كل من سنحت له الفرصة ليسهم في حدث علمي بما أوتي فليفعل، دون أحكام مسبقة أو ادعاءات معلبة تقال وتكرر هنا وهناك، فكل دور تقوم به مهما كان بسيطا تكون أنت المستفيد الأكبر، وابدأ مشاركا في التنظيم من أبسط مهمّة، ثم ارتق شيئا فشيئا، وإن كانت همّتك وطموحك الإشراف العام على أكبر ملتقى عالمي بكل ما تحمل الكلمة من معنى فستصل، ولن يوقفك عن ذلك إلا أنت وأنت فقط!

مقالات ذات صلة

‫4 تعليقات

  1. اولا الشكر موصول اليك استاذ جابر على الموضوع القيم الذي ينم عن خبرة وتجربة ميدانية لمدونه .
    ثانيا
    في ما يخص تحليل المسألة ( بأجزائها المنفصلة ) ان صح التعبير. فانا استسيغه بدافع قوي لكونه تحليل منطقي ممنهج و مبرر لقاعدة الاعمدة الثلاث بصفة عميقة
    و اما الشق الثاني للacineسالة وهي متحدة فاصارحك القول باني من الرافضين لفكرة الملتقيات والتجمعات بصفة تكاد تكون متطرفة لنفس العلة التى ذكرتها بعد ذكرك الرأي.
    فانطلاقا من قوله تعالى ” فإذا عزمت فتوكل على الله ,إن الله يحب المتوكلين”
    رغم مشاركتي المحدودة جدا في بعض الدورات والمناقشات والمحاضرات لغرض الاستفادة الا اني لاحظت عند اغلبها إنعداما يكاد يكون كليا لاهم الافكار والقرارات والاهداف التي خرجنا بها عند محاولة احتكاكها بالميدان وكأن جل المطلوب هو ابراز الجهود في سبيل تلك القضية قولا لا فعلا لكن في الحقيقة هو عكس ذلك تماما وهذا الشعور يعطي انطباعا بالنقص للمشاركين ككل…لكن كما قلت العيب في الشخص وليس الفكرة
    وهذا يذكرني بالقضايا والافكار التي يعالجها الدعاة يوميا في المساجد ثم عند النزول الى الواقع لا ترى من التغيير الا قليل …عذرا على الاطالة والله اعلم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى