تمر علينا هذه الأيام عصيبة مريرة، نفقد فيها أحبابا عشنا معهم ذكريات جميلة أو بلغنا منهم طيب الذكر وحسن الأثر، فما إن يصلنا نعي أحدهم حتى يأتي من بعده نعي آخر، بما لم نشهد مثيله من قبل، لا نعلم أهو الوباء أم قد حان الأجل بسبب آخر.. نسأل الله لهم الرحمة والمغفرة ولأهلهم وكل عزيز لديهم الصبر.

بلغني أول هذا اليوم نعي معلمي الفاضل عيسى أوزايد رحمه الله، وقد مر أمامي طيفه ومعه ذكريات خالدة أيام الدراسة في قسم المصلى وحفظ القرآن الكريم بداخلية الحياة في مدينة القرارة، وما أجملها من لحظات حظيت فيها برفقة المرحوم وثلة من المعلمين والأصدقاء.

لم تكن مهمة معلمنا المرحوم سهلة وهو يرابط لعقود مخلصا في “داخلية الحياة” فاقد البصر، طالب علم مجد ثم معلما.. يتنقل بين مرافق المؤسسة ويذهب يوميا إلى المعهد ثم إلى المسجد الكبير مع من يرافقه من الطلبة أو الأساتذة، دون كلل ولا ملل، مستبشرا مقبلا على الحياة بعزيمة فذة تفوق الكثير من المبصرين العاجزين.

كم كنا نتسابق نحوه لنأخذ دورنا ضمن طابور من الطلبة لعرض ما حفظنا من ألواحنا عليه، لما نلمسه منه من تخفيف وطيبة في التعامل مع أخطائنا وقلة حفظنا أحيانا في بدايات مشوارنا مع القرآن الكريم، مقابل صرامة معلمين غيره، وبما نحظى منه من دقائق من الحوار تنسينا قليلا رتابة الحصة وجديتها، ومن عاش أيام حفظ القرآن الكريم يدرك جيدا هذا الشعور.

وإن أذكر خصال المرحوم فلا أنسى وقفة والدي الحبيب حفظه الله معه وإيمانه بقدراته محتضنا له مشجعا وموجها طيلة حياته في إدارة “داخلية الحياة”، فقد كان له نعم المربي والأب والصديق بشهادة الشيخ عيسى رحمه الله، وقد كانت بينهما علاقة عميقة خاصة مخلصة يشهد عليها كل من عاشرهم وعاصرهم، إلى أن ترك والدي القرارة، ثم التحق به الشيخ عيسى بعد مدة قليلة ليستقر هو كذلك في غرداية معلما للقرآن الكريم في مدرسة الإصلاح للبنات إلى أن وافاه أجله رحمه الله.

كم كان يفرح عندما ألتقي به رحمه الله، وما إن أبادره بالسلام حتى يكتشف هويتي من خلال الصوت، رغم البعد وغياب السنين، يسألني عن حالي وأحوالي بكل تواضع وإحسان..

تعازي الخالصة لأسرة الفقيد، ولكل أصدقائي الطلبة ممن عاصره وتتلمذ على يده، ولكل المعلمين.. إنا لله وإنا إليه راجعون

رحمك الله وأسكنك فسيح الجنات… تعبت كثيرا معلمي وآن لك أن تستريح..