استثارني منشور لأحد الأصدقاء في إحدى شبكات التواصل الاجتماعي لأهمّ بكتابة هذه الخاطرة القصيرة، حينما رسم ملمحا من ملامح الحياة في مدينة غرداية الجزائرية هذه الأيام، فالمدينة فعلا كانت ملاذا للآمنين، ومقصدا للعاملين، ومرتعا للحالمين الآملين بمستقبل مشرق.

ومن عدة أشهر مضت انقلب ليلها نهارا ونهارها ليلا، واسودّت اللحظات فيها، وامتزجت مشاعر الخوف والوجل، بأحاسيس الرجاء والأمل، رجاء في الله تبارك وتعالى ليرفع محنة اشتدت كلما فاح منها بريق فرج، وأمل في هيبة دولة فرضت سلطتها في ما هو أعتى وأقسى مما يجري في المدينة الآن…

صار اليوم بالنسبة لساكن المدينة مليئا بعامل المفاجأة، مشبعا بإيحاءات مخيفة، فالأخبار تتلاحق من هنا وهناك منذ الصباح الباكر إلى الليل، والأنباء توصل كل ما ينغّص حياة الإنسان ويريق آخر ما بقي في دلائه من شحنات العزم للعمل والكد، فلا المتاجر صارت كما كانت مستبشرة مكتظة، ولا المكاتب تعرف حركة حيوية من الدخول والخروج لكل أصناف الناس ممن لديه حاجة يسعى وراءها، ولا الشوارع صارت آمنة من حجارة صبية لا يرتاح لهم بال حتى تصيب هدفها في زجاج السيارات…

حقا صارت مزاب مدينة ذات شعبين، طائفتين، اسمين، أملين… صارت المدينة مدينتان يتقاسمها صنفان من الناس لا يدري عامّة أي منهما السبب الحقيقي لما يجري، لا يدركون أيضا إلى أي منحى تتجه الأمور بهذا الجفاء والاستعلاء… الفرق الجوهري  بينهما أن واحدا منهما يدرك يقينا في ضميره أن الظالم هو والمظلوم هو الآخر، أن المعتدي هو والضحية هو الآخر، ولو استنكر واستعلى، ولو استكبر واستغنى… وبين هذا وذاك هناك صنف ثالث كان ينعم بالضيافة في المدينة الأصيلة وصار الآن حكما يسمع من هذا ويشاهد من ذاك، والحيرة تكبّل ضميره ليصدح بالحق، والحق في هذا الزمان وما قبله وما بعده مرّ مرارة العلقم!

رجاء الأم الداعية، والجدة المحتسبة، والطفل الحائر، والأب المنكسر أن تتحسّن الظروف لما هو أحسن، فلا أقسى من الفتن، ولا أصعب من المحن حينما تأتي من الجار… فاللهم فرّج عن المدينة المكلومة وأرنا فيها أيام خيرا مما مضى…