أرسل لي صديق عزيز خبر الهجرة الجماعية ل 1200 طبيب جزائري نحو فرنسا، وأرفق رسالته بردود فعل بعض المحسوبين على الطبقة السياسية “المنكوبة” في البلد “المنكوب” طالبا مني تعليقا عن الحدث، وبما أن ما وقع ليس بالجديد، وقبله وبعده سيحدث مثله ما لم تتغير الأوضاع وتتحسن، إلا أن الوضع يستحق التأمل والتحليل كل مرة، والصمت لا يجدي عن هؤلاء الذين يرفعون لواء الوطنية وشعارات النهي عن منكر الهجرة والتنكر للوطن حسب زعمهم.

لست بصدد الكتابة عن أدبيات الهجرة والكلمات المثالية في حب الوطن ولا تقديم نصائح للأطباء وهم أرفع مني مقاما وعلما وحكمة، ولا في نيتي التعليق على “هراء” من اتهمهم ورماهم بصفات هو أولى بها وأكثر من تمثلها وتلبسها، الوضع أعقد من ذلك على وقع قوافل المهاجرين، وخلفهم من هم بإجراءات الهجرة، ثم الراغبين، وكذا من تراود ذهنه الفكرة كل مرة.

وأنا في غربتي القاهرة الاختيارية كلما التقيت شخصا عائدا من الجزائر أسأله عن حال البلد إلا كانت إجابته حسرة وأسفا وحزنا، وكلما تواصل معي شخص باحثا عن فرصة للهجرة إلا لمست فيه حرصا وإصرارا على ركوب أول قشة تخرجه من ذلك الوضع، ولو كانت سرابا، ولو كانت قفزة نحو المجهول، وهو ما جعل الكثير يسقط في شراك المحتالين، ولكم أن تسألوا المغتربين عن قصص ضحايا الاحتيال والابتزاز التي لا تنتهي.

أعتقد دائما أن الهجرة أمر شخصي، قرار يلزم صاحبه، من اتخذه فقد استنفذ كل الحلول واستنزف كل الجهود، حتى أعلنها صراحة.. بمرارة.. بألم.. وهو يجهز حقائبه ويحجز تذاكره وينفق ويسعى في ملف التأشيرة ولو كلفه ذلك التنقل والسهر والتبكير والوقوف في طوابير الذل، شعاره من يعرف المطلوب يحقر ما بذل.

كم من مهاجر بجسده والوطن يسكنه، وكم من قابع في الوطن وذهنه مسافر في الزمن مغادر للمكان، في عالم القرية الإلكترونية الصغيرة، ووسائل التواصل الاجتماعي، أين تلتقي الأصوات والوجوه ولا تتصافح ولا تتعانق..

الوطن حيث الكرامة.. الوطن أين الشغف..!