في جلسة ودية ذات يوم طرح أحد الأصدقاء تساؤلا عن سر غياب المسلمين والعرب عن إنجازات الإنترنت، ولماذا نسبهم ضئيلة دائما عند كل إحصاء أو دراسة علمية تقوم بها أي جهة معينة؟.فمثلا في ترتيب أكثر المواقع إقبالا، أو أفضل الأفكار تداولا، وكذلك بالنسبة للمحتوى العربي واستعمال اللغة العربية، كل هذه المؤشرات لا نجد موقعا أو مؤسسة ضمن الأوائل ولما نقول الأوائل فلا نتحدث عن العشرة أو المئة ولكن المائة ألف الأولى.

طبعا هناك أفراد أبدعوا وتألّقوا كمبرمجين أو مهندسين يعملون أو يديرون أرقى الشركات في مجال الانترنت، فهؤلاء ليس حديثنا عنهم هذه المرة وهم يعملون ضمن فرق عمل أخرى لهم مهامهم المحددة التي يقومون بها.
ترى لماذا هذا التخلف؟ هناك فرضية هامة من بين عدة فرضيات وهي أننا نرفض الأشياء في بادئ الأمر حتى إذا انطلق فيها غيرنا بدأنا نفكر في الإيجابيات ونحاول أن ننطلق نحن أيضا بينما هم على مسافة سنوات وقرون.

ولو بسّطنا الأمر فسنذكر واقعا قديما عندنا يقصّه علينا الكبار الذين عاصروه كالكهرباء، التلفاز، الهاتف الثابت والنقال، كلها تقنيات حوربت في بداياتها ثم أصبحت من ضروريات الحياة، فأسقطها البعض على مثال “السكّين” فيستعمل للطبخ وتقطيع اللحوم والفواكه، كما يمكن تنفيذ جرائم القتل به، وبين الاستعمالين فرق واضح.

نأتي للأنترنت والتي حديثنا عنها، حربنا استعمالها أول الأمر، ثم حربنا مواقع وبرامج بعينها، وهكذا نبقى ننتظر الإنجازات وبراءات الاختراع التي تعب معها أصحابها لنأتي بكل بساطة ودون أسس علمية لنضعها على طاولة التشريح والتحليل فكلّ يمسك أداة مخبرية ومجهرا، ويبدأ في التأويلات والتفسيرات حسب ما يتصوره عقله وغالبا عاطفته.

مثل هذه القرارات يجب أن تصدر من الخبراء وذوي العقول والاطّلاع، -وما أكثرهم– فلا يضيرنا أن نبحث عن جدوى أي تقنية في الأنترنت لنجد من قد قام يتحليلها وبيان نقاط الاستفادة منها وما يجدر تركه، فيوجد مدوّنون عرب يهتمون بهذا الأمر ليبقى علينا أن نطّلع على ما نتج من بحثهم. ولا ننفي الأمور ونرفضها بجرة قلم وبكلمة في فضاء.

المواقع الاجتماعية مثلا، تلك الظاهرة من المواقع والتي تطورت وتسارع نموها حاليا، كالموقع الشهير Facebook  الذي أنشئ قبل 6 أعوام فقط حيث يهدد حاليا شركة غوغل وموقعها على المرتبة الأولى عالميا من حيث الاستعمال، علما أنه تفوق قبل أيام وتبوأ المقدمة في الولايات المتحدة الامريكية لأول مرة منذ تأسيسه.

نعم للموقع سلبيات تظهر للناظر، ولكن شأنه شأن الانترنت عامة، فنفعها أكبر، والعاقل من درس وبحث في أسباب نجاح المشروع ونقاط القوة فيه ليتأسى على الأقل، فبراءة اكتشافات الانترنت غالبا لشباب وطلبة جامعيين، منهم من لم يتفوق في تخصصه فتفرغ لبحوث خاصة ومنها كانت نقطة تحوّل كبيرة في حياته.

شركات مثل مايكروسوفت، وغوغل، ودل وغيرها كثير كلها لشباب طموح حققوا أهدافهم من خلال البحث العلمي، وعدم الأخذ بالمثبطات وعدم الإيمان بالمستحيل، فأنصحكم بقراءة قصص نجاحهم لأنكم بالتأكيد ستستفيدون وتوسعون مدارككم وآفاقكم.

طبعا كانت جلسة مثمرة بتبادل الأفكار والقناعات ومناقشتها وتحليلها، وكان بيت القصيد أن نعمل ولا نقول إنه لا مجال للاكتشاف الآن فكل الأمور قد اكتٌشفت، ولا نحتقر أنفسنا فلكل منا طاقة لو شاركها مع طاقة غيره ولدت المشاريع الهادفة ونقص البكاء على الأطلال، فلكل زمان رجال ورجال هذا الزمان شبابه ومهندسيه وباحثيه.

مع أنني في الأخير ملزم على توضيح نقطة هامة هي عدم تقبّل أي فكرة أو تبنّي أي توجه بداعي التفتح والانبهار، ولكننا نحلل ونفكر ثم نقرر والاستشارة ومشاركة الرأي أقرب طريق للمعلومة الصائبة إن شاء الله.