زيارة فرنسا كانت لدي إلى وقت قريب تشكل هدفا لاكتشاف ما وراء تلك الدولة التي فعلت الأعاجيب في الجزائر، فصارت قبلتها ومثلها الأعلى رغم الألم الكبير الذي سببته لها، إلا أن الاستلاب الذي يقع للجزائري بصفة غالبة تقريبا يجعل منها أرضا يجب النزول فيها ولو كسرا لحاجز نفسي فقط…

وبحكم مجاورتها لبلجيكا كان لها نصيب من زيارتنا فدخلناها بالسيارة من شمالها وبالضبط مدينة ليل، فقمنا بجولة خفيفة فيها والتقينا بالكثير من المهاجرين خاصة الجزائريين والمغاربة، واستوقفنا شابا لنسأله عن وجهة تستحق الزيارة وكان مصريّا، فأخبرنا بكونها مدينة صغيرة لا يوجد فيها ما يستحق أن يزار ونصحنا بالذهاب إلى باريس، حديثه كان بنبرة تشاؤمية قاتمة تعبّر وتفصح عن مدى معاناته والصعوبات التي تميّز أيامه الأولى في فرنسا…

بعد ليل كانت الوجهة باريس والوقت حينها حوالي 14:00 مساء، ومع الطريق السريع الأنيقة والمناظر الطبيعية الخلابة طوينا المسافات ودخلنا عاصمة الجن والملائكة كما يعبّر عنها مع أني أجهل حقيقة هذه التسمية، وكانت الانطباعات الأولى عن باريس أوجه الشبه البارزة فيها مع العاصمة الجزائرية من حيث المباني والعمران، إلا أن الجميل فيها تلك الشوارع الواسعة جدا، مع ملاحظة الأوساخ المنتشرة في الطرقات مما جعلني لوهلة أعتقد أني خرجت من أوروبا الحالية زمنا ومكانا…

ذهبنا إلى أشهر أحياء باريس وبالذات أشهر معلم فيها باعتبار ضيق الوقت المتاح لنا إذ ينتظرنا مشوار طويل بعدها، وبعد المرور من جسر يطل على نهر السين ركنا السيارة قريبا من برج إيفل، وأخذنا جولة حوله ورأينا ذلك الكم الهائل من الناس من مختلف أنحاء العالم، كما كان المنظر المتكرر هناك هم الأزواج الجدد وهم في شهر العسل بلتقطون صورا ويستمتعون بلحظاتهم الخاصة، فالرجل ببذلته الأنيقة السوداء مع زوجته بفستانها الأبيض المميز للمناسبة…

وبعد أخذ نصيبنا من التقاط الصور والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة حوالي برج إيفل كانت الوجهة بعدها إلى مدينة ليون (حوالي 400 كلم) إلى الجنوب، وفي الطريق كانت المفاجأة بدخولنا الطريق السريع ذات نظام الدفع، فاكتشفنا من أين تستمد الجزائر أفكارها ورؤاها خاصة لما رأيت الترامواي في باريس يشبه بصورة طبق الأصل تقريبا ترامواي الجزائر العاصمة، فطيلة سفرنا لم ندخل طريقا سريعا بنظام الدفع إلا في فرنسا، ولم نجد ذلك لا قبها ولا بعدها…

على كل كان محطات الاستراحة في الطريق منتشرة تتوفر على كل الضروريات وحتى الكماليات بنسب متفاوتة في جمالها وخدماتها باعتبار الشركات المالكة لها فليست من نوع واحد كما ألفنا هنا مع “نفطال” مع ملاحظة الفارق الكبير في أسعار الوقود إذ لا مجال للمقارنة بين الجزائر وأوروبا وإلا لكانت المقارنة جائرة…

وصلنا مدينة “ليون” وكان المبيت فيها، وفي الصباح أخذنا جولة سريعة فيها فكانت مدينة مرتّبة جدا وواسعة وأنيقة، يخترقها نهر جميل أضفى لها رونقا ومنظرا خاصا، بعدها أخذنا مرافقنا المقيم فيها إلى المدينة القديمة فكانت تحفة رائعة، وكانت الفرصة أيضا لدخول الكنيسة لأول مرة في حياتي فتجولنا في مرافقها ووقفنا على حجم الاهتمام بها ووقفنا على حجم الاهتمام بها، كمكان تسمو فيه الروح ويفرض على زائره مهابة وخشوعا.

بعد ليون شددنا الرحال بعد الظهر إلى مدينة صغيرة حدودية مع سويسرا اسمها “آنسي” وهي مدينة رومنسية هادئة جدا، طبيعتها الخلابة مع الجوّ الجميل الربيعي مع زخات مطر خفيفة يجعلان الإنسان الحسّاس الشّاعري يتناغم ويذوب تأملا فيها، هي مدينة تشتهر ببحيرتها الصافية القابعة في سفح جبل كبير جدا، وكذا الأنهار التي تنفذ في أزقة المدينة القديمة النظيفة الأنيقة…

في الحلقة المقبلة إن شاء الله سوف أروي لكم تفاصيل من رحلتي إلى سويسرا، فتابعوني…