لا تكاد هذه الأيام تطالع جريدة أو تشاهد قناة إخبارية حتى تسمع عن موقع ويكيليكس وكيف أنه أحدث كل هذه الضجة الإعلامية، لكل رأيه تجاهها، فمن قائل هي مجرد سحابة هلامية من صنع الغرب كعادته لتحقيق مآرب أخرى، ومن ذاهب إلى كون الموقع يفضح حقائق ظلت مخفية رغم أنف من أخفاها، فمن نصدق؟ ومن نكذب؟

أولا كتعريف لكلمة ويكيليكس Wikileaks وجدت أن معناها تسريبات الويكي، وهي تسمية لموقع إلكتروني على الأنترنت يقوم بنشر وثائق بالغة الخطورة والسرية، أحرج بها -ولا يزال – العديد من الدبلوماسيات في شتى دول العالم، فانكشفت عدة أمور للرأي العام وعدة ملفات حساسة على غرار حرب العراق، وأفغانستان، والغزو والعدوان على غزة، وبعبارة أخرى نقول: إن مهمة الموقع تتمثل أساسا في نشر الغسيل.

مؤسس الموقع الأسترالي جوليان بول آسانج Julian Paul Assange البالغ من العمر 39 عاما، دخل عالم الشهرة منذ عام 2006 تاريخ إطلاق الموقع، حيث كان أداة لنشر أزيد من ربع مليون وثيقة سرية تدين الولايات المتحدة الأمريكية في عدة ملفات ولعل أبرزها حربها على العراق وأفغانستان، مما أدى لأشهر خمس مؤسسات إعلامية أن تعيد نشرها هي أيضا.

اشتهر آسانج بتنقله بين الكثير من البلدان للعيش فيها، بهدف الدفاع عن قضايا حرية الصحافة والصحفيين، وقد حصل على عدة جوائز من عمله في موقع ويكيليكس، هذا من جهة، لكن من جهة أخرى هو ملاحق قضائيا من المحكمة العليا السويدية التي طلبت من الشرطة الدولية (الإنتربول) إصدار مذكرة توقيف بشأنه في الشهر الماضي في عدة قضايا مختلفة.

المهم بعد كل هذا فالموقع أحدث تلك الهالة الإعلامية، وجذب إليه الأنظار من كل مكان، إلا أنه لم يأت بالجديد والمفاجئ كون تلك التسريبات جاءت لتؤكد ما يقع فقط، فلا أحد كان يجهل تواطؤ بعض الحكام العرب مع أمريكا، ولا أحد يستغرب ما وصف وكأنه أسرار قد نشرت لأول مرة، إلا أنه أحرج كثيرا كل من كانت له يد ملوّثة في قضايا إنسانية وكل من ساهم ولو بقدر ضئيل، فالويل له من أمته وشعبه كل من ورد اسمه كتابيا في إحدى الوثائق، حتى صار الموقع موطن شبهة له يتابع أخباره لحظة بلحظة، ومن أعان ظالما ابتلاه الله به.

أسئلة كثيرة تتبادر لذهن أي متابع للقضية، لماذا تم تسليط الضوء الآن على موقع أنشئ منذ أربع سنوات؟ هل القضية مجرد مسرحية غربية لضرب الإخوة الأعداء بعضهم ببعض -كوننا ألفنا منه عدم القيام بأية خطوة غير مدروسة فيما سبق-؟ هل تم منح الضوء الأخضر لذلك الموقع بنشر الوثائق لتبرير تصرفات أمريكا؟ فلسان حالها يقول: لست وحدي من فعل ذلك لكن كانت معي الدولة الفلانية، وماقمت به كان بإملاء ذلك الحاكم وتلك الحكومة وبتحريض منهما، ألا يمكن لأمريكا بما أوتيت من قوة أن تكمّ فم ذلك الموقع وتغلقه كما فعلت مع غيره مرارا؟ ما هي أهدافها من هذه المناورة هذه المرة؟ هكذا نبقى مذهولين أمام الواقع، وليس بيدنا ما نحكم به على وجه اليقين.

أردت أن أتناول الموضوع من الجانب الإعلامي وليس السياسي، لكن ما باليد حيلة فالسياسة خالطت كل شيء الآن، ولا يمكن الفصل التام بينها وبين أي مجال أو تخصص. نلاحظ أن خطورة الإعلام تتمثل في إلقاء الضوء على ما يريد، وإغفال ما يشاء أيضا، لذا نرى أن الموضوع أخذ أبعادا خرافية في القنوات الفضائية وكل منها يدّعي تغطية الحدث بعمق أكثر من غيرها، وما علينا نحن سوى التمييز قدر المستطاع بين الأمور، فقط بما أوتينا من قلة في العلم والاطلاع، فلا نهمل الأمر كله ولا نظهر بمظهر الخبراء العارفين بكل الخبايا والتفاصيل لنصدر أحكاما بمنتهى البساطة.

موقع wikileaks.org أصبح في وقت قصير من أنشط المواقع في الأنترنت، وارتفع درجات كبيرة جدا في سلم الترتيب العالمي، رغم كونه ضعيفا جدا فنّيا، فهو أصلا لا يحتاج للاهتمام بالشكل الظاهري بالمقارنة على ما يحويه من معلومات هامة نجهل سرّها لحد الآن، ومن أين يستمدها من يسيّر ذلك الموقع، حتى خصّصت له مواقع الصحف والمؤسسات الإعلامية الأخرى أجزاء هامة من محتواها، واستهلت به النشرات الإخبارية مواجيزها وتفاصيلها، حتى مصطلح ويكيلكس نفسه أخذ حصته من الشهرة وارتفعت أسهمه عاليا، بعدما كان محصورا لدى فئة قليلة جدا من الناس من ذوي التخصص، فسبحان مغيّر الأحوال.

لا أحد يمكن أن يفصل في الأمر من كونه مسرحية مفتعلة أو ظاهرة غريبة لم يكن يتوقعها الغرب من قبل، كل ما علينا فعله هو عيش حياتنا بطريقة عادية وأخذ القضية باهتمام معتدل غير مبالغ فيه ولا مهمل أيضا، كل هذا لنزداد وعيا بخطورة الإعلام والدور الذي يمكن أن يؤدّيه والقدر الذي يؤثّر به في الرأي العام.