إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يرضى ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون… أي لحظات؟ وأي شعور؟ أي هاتف؟ وأي خبر؟ هذه حالي ولا زالت منذ أن بلغني نبأ وفاتك يا أعز صديق، ولولا الإيمان بالله وبقضائه وقدره، لما وجدت من تفسير ولا ملجأ لما يحدث! إنا لله وإنا إليه راجعون…

هكذا حبيبنا إبراهيم غادرتنا لإجازة عيد الأضحى وما علمت ولا علمنا أن اللقاء المقبل لن يكون هنا في الدنيا، بل في يوم آخر، وعالم آخر، بصحبة أخرى، وظروف أخرى أفضل إن شاء الله…

لا أدري أأكتب معزيا نفسي ومن صُدم مثلي، اعتبارا وادكارا، استحضارا لواعظ طالما مسّ من حولنا وتجاوزَنا، ولا محال يوما مصافح لنا، أم أصف تلك اللحظات الصعبة التي مررت بها ولا أزال، وإني أعتقد جازما أن هناك من هو أعظم مني حزنا وأفضل مني حِلما وصبرا…

لا زلت منذ الأمس أسرح بخيالي وأعود بالذكريات القريبة والبعيدة، فأنت ماثل أمامي رغم غيابك، وروحك تسري فيما حولي رغم وداعك للدنيا، كيف لا وكلما جففت دموعا ذرفت غيرها، فبالأمس بعد سماعي للخبر المفزع، وبعدما دخلت المكتب لأجدني أقف دون شعور أمام مكتبك الجديد متأملا باكيا مستذكرا… هي أوراقك كما تركتها، حتى قلمك الذي كتبت به آخر الكلمات جاثم هناك ينتظر العودة مرة أخرى… حقّا أجل الإنسان أسرع من أمله…

لم أصدّق الخبر لأوّل وهلة وكنت أمني نفسي أن الواقعة محض خيال، وأنك حي ترزق سعيدا بين أهلك وأحبابك، فأعدت الكرّة متصلا بأكثر من مصدر لأتأكد وأخفف عن نفسي هول الأزمة، وجاء اليقين من والدي حين أخبرني أنه أمامك يراك رأي العين مسجّى في المستشفى، سائحا في عالم آخر، وهناك إذ لا مجال للشك انهار ما بقي لدي من أمل، ولولا نداء داخلي يؤنبني غاضبا حائرا قائلا: ألست مؤمنا؟ ألا تستغفر؟ ألا تتعقّل؟ ما الذي دهاك؟؟

نفس الأمر حدث لأصدقائنا حين اتصلت بهم ولكل ردة فعل أقسى من الآخر، فالطيب الطموح الحليم غادرنا هكذا دون إشعار؟ توالت بعدها الهواتف مستفسرة معزية مؤنسة داعية لك بالرحمة والمغفرة، فطوبى لك أن قد عملت لما بعد رحيلك، فسلمت الناس من لسانك ويدك وكنت حقا صادقا صدوقا صديقا…

ربما أستغرق لو أكتب عن حياتك فقد كنت رفيقي وساعدي الأيمن في العمل منذ انطلقنا بمشيئة الله وطيلة 7 سنوات في مجموعة حدبون، فلم نر منك إلا خيرا ولم نعرف عنك إلا طيبا… أتذكر تلك اللحظات أول المشوار، وأتذكر جيدا أجمل الذكريات معك، أفكارك إبداعاتك، إنجازاتك، تفانيك في القيام بمهامك… وكيف أنسى تلك المساعي والمجهودات التي قمت بها قبل أيام عندما كنا نستعد لتدشين المكتب الجديد “سما”، فكنت ساهرا مكدا مجدا، ولا زلت أقلب تلك الصور ليوم الافتتاح فأراك مقبلا متحمسا…

هي لحظات أيضا جمعتنا قبل الحياة العملية، وأثناءها، وفي الأسرة، ومع الأصدقاء، حتى غدا كل ركن يحكي قصة معك، ومن لا يشاطرني ما أقول ممن عايشك وعاشرك عن قرب؟ ففي عشيرتك، والمدرسة التي كنت تدرّس فيها الناشئة، وفي الجمعيات التي كنت تنشط فيها فنانا صادحا بصوتك الدافئ الشجي، وفي… وفي…

الألم شديد والوقع أشد بعدما تعذر عليّ أيضا حضور جنازتك والصلاة عليك، فضلا عن الوقوف عليك وعلى من أصيب معك في المستشفى، فأحس بالتقصير الشديد من هذه الناحية، وأعزي نفسي بأن المبرر قاهر من ناحية ثانية، ولعل متابعتي هاتفيا لكل لحظة منذ وقوع الحادث تخفف شيئا من الوقع، فالجميع هب واقفا حزنا محتسبا… وأنا عن بعد كبّلتني الظروف أدعو الله لك وأتلقى التعازي من هنا وهناك…

دروس كثيرة تعلمناها منك وأي بشرى حينما نزل خبر وفاتك في الإنترنت والأحباب يذكرون جميل صفاتك وكريم أخلاقك، فهذه والله لطائف ونسمات نرجو ثوابها لك عند الحي الذي لا يموت، فتواضعك سحر الكثير، وسماحتك فرضت احترام الجميع، ورزانتك جعلت منك مدرسة يتلهف الكل للنهل منها… ربما لم نعرف قدرك جيدا في حياتك وهذا حال الإنسان، إلا أن الألسنة تلهج بالدعاء لك أن يجعل الله قبرك روضة من رياض الجنة.

هي كلمات كتبتها بالمناسبة، فكن قرير العين إبراهيم بكل ذِكر حسن تركت، واهنأ في دار الخلد وفراديس الجنان مع النبيئين والصديقين والشهداء، فاللهم اغفر له وارحمه وأسكنه فسيح جناتك، وألحقنا بهم بعد بركة في العمر… يارب العالمين…

عزائي الخالص لفريق العمل، وللأسرة الطيبة، وللزوجة المحتسبة والابن الوسيم، وللأصدقاء، ولكل من عرفك وحظي بعشرتك… فالدعاء الدعاء بالثبات لحبيبنا إبراهيم، ولنا ولكل الأمة… آمين يارب.

“يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي إلى ربك راضية مرضية، فادخلي في عبادي، وادخلي جنتي”