كانت أياما جميلة من المفترض أن أكتب عنها قبل هذه اللحظة إلا أني تركت الأفكار ترسو بهدوء، بعدما حاولت مرارا التقاطها وترتيبها في حلّة مترابطة مناسبة للنشر، فمهما كتبت عنها لن أوف لها قدرا، من باب “ليس من رأى كمن سمع”، هي أيامي في أكاديمية إعداد القادة بغرداية مطلع هذا الشهر.

أكاديمية إعداد القادة نموذج مصغر للأكاديمية التي يشرف عليها الدكتور طارق السويدان سنويا، قام بتنظيمها مركز نيو لتدريب القادة بإشراف المدرب المبدع إبراهيم بغباغة الذي تلقى -ولا يزال- تكوينات على يد الدكتور وقد نال تزكيته وتشجيعه لتنظيم هذه المبادرة الطيبة.

جَرت الأكاديمية في أربعة أيام مغلقة تحت شعار: (جيل يقود… حضارة تسود) وجمعت نخبة من الشباب، تم اختيارهم بعناية ووفق معايير محددة بدأت بإعلان الحدث عبر موقع مزاب ميديا الإعلامي، وصفحته على فيسبوك، وكذا صفحة مركز نيو –منظم الحدث- فكان الطلب كثيفا ونوعيا، وبعد عملية الفرز تم انتقاء 50 مشاركا.

الأيام الأربعة تنوعت بدورات تدريبية تحت عنوان “رتب حياتك”، من تقديم المدرب إبراهيم بغباغة، فشرح أسسا واضحة وأزال الغموض الذي يميز محطات حياة الغالبية من الناس وقدم حلولا ومناهج علمية دقيقة، وعرض مفاهيم القيادة وجدواها وسرد أهم الصفات القيادية، مستعينا ومستلهما من شخصيات تاريخية وخبراء عالميين اشتهروا بنجاحهم وتفوقهم في مجالات الحياة بأنواعها.

في نفس مسار التدريب بالنماذج والقدوات تضمّن البرنامج استضافة لنخبة من رجال الفعل من أبناء الوطن كل في ميدانه، قدموا خلاصة تجربتهم في الحياة، فبدأها د. باحمد ارفيس في مجال البحث العلمي والعمل الدعوي، ثم الدكتور أحمد نوح مؤسس قصر تافيلالت النموذجي ببلدة بن يزجن الأصيلة، في زيارة ميدانية ممتعة، والأستاذ حمودة الحاج سعيد مدير عام شركة تكنومودرن -مرفوقا بفريق عمله- في المجال الاقتصادي، ثم الأستاذ عمر بافولولو مدير المركز الثقافي الإسلامي بالجزائر في موضوع مقاصد الشريعة وأبعادها الواقعية، مع دردشة مفتوحة في مواضيع شتى.

اللقاءات مع رجال الفعل ميزتها العفوية والعمق في الطرح، فكل منهم فتح قلبه للشباب وشاركهم طموحاته وأفكاره، فترك بذلك انطباعات جميلة وآثارا طيبة تنعكس إيجابا في مسار حياة المشاركين، وذلك ما كان باديا فيهم بوضوح.

وفي البرنامج دائما فقد نظمت دورة في فن الإلقاء الذي هو من أدوات القائد الضرورية ليكون مؤثرا بحق، وتوجت الدورة بمسابقة تنافس فيها الشباب المشارك بشكل ملحوظ في أجواء مرحة مميزة، وارتقى من تأهل مع تتالي الأدوار النهائية، وما ميز برنامج الأكاديمية تنوعه بين جد وترفيه، وأريحية وعفوية صادقة في التعامل.

ومن جانب آخر فقد برمجت سهرات للدردشة والسمر باستعراض تجارب ميدانية في مجالات الإعلام والعمل الخيري، فكان الأول بندوة من مشاركتي مع الأخ سفيان حفار وإبراهيم حواش ويتنشيط من المدرب إبراهيم بغباغة، أما المجال الثاني فعرض فيه التجربة مدير مركز دار القرآن الأستاذ حمو بوكرموش –مستضيف الأكاديمية- وفريق عمله.

كانت لي الأكاديمية تجربة جيدة خاصة وأني في فريق التنظيم، فلمست ذلك الجهد في فريق العمل وعشت معهم أجمل الأيام، الكل يعمل بصدق وإخلاص، فضلا عن ما ميّز العمل أكثر تلك الأريحية مع الشباب المشارك وتجاوبهم مع النظام بشكل واضح جدا، وكجزء من أجزاء التجربة كانت لي التغطية الإلكترونية للحدث لحظة بلحظة، ومشاركتي لفريق التصوير، الذي كان محترفا لأبعد الحدود.

من أهم الفوائد التي جنيتها من أكاديمية إعداد القادة الأولى بمدينة غرداية، تلك الصداقات الجديدة التي عقدتها، وتعزيز أخرى كانت إلكترونية فصارت واقعا، فالشباب المشارك حقا أنموذج في التواضع والانسجام باختلاف مستوياتهم العلمية ومراتب التفكير التي ميزت كلا منهم، حتى كان الانطباع السائد يوم الختام مزيجا بين حزن الفراق، وأمل اللقاء مجددا، وكان الإجماع بأن الأيام مضت بسرعة ويا ليتها لم تنته.

كتبت هذه المقالة جوابا لكل سائل لي عن فحوى الأكاديمية وأهدافها وآثارها، فالعمل لازال في بدايته، وبرنامج “أكاديمية إعداد القادة” مرافقة وتيسير ونية خالصة للخير، لا تنتهي بانتهاء الأيام المغلقة الماضية، إنما هو سلوك وحياة وجهد متواصل نحو التحسين والتطوير، سواء للفرد أو للمؤسسات، موعدنا بعد سنوات لنجد الثمار إن شاء الله، فإن حيينا فسننعم بها، وإلا فندعو الله القبول أن كنا سببا -ولو بشكل يسير- لنجاحات وإنجازات ترفع الأمة من دركات الضياع إلى مصاف التقدم والفلاح.

أحمد الله حمدا كثيرا، وأشكره شكرا جزيلا، كما أشكر المدرب الصديق إبراهيم بغباغة فقد كان حقا مثالا للتمكّن والجدية في العمل، ولفريق العمل كله، تخطيطا وتنظيما وتنفيذا، والشكر جزيل للشباب المشارك، والداعمين والرعاة، ولكل من أعاننا بدعاء وشرفنا بملاحظات وأنار دربنا بأفكار وخبرات وتجارب… لكم الشكر جميعا.

  • يمكنك الاطلاع على تقارير الأكاديمية اليومية من [موقع مزاب ميديا]