ربما لم يكن من الأجدر لي أن أنشر تدوينات مثل هذه في رأيك [كقارئ]؟، أو ربما ستجد سياقها ظاهريا انحرف عن خط المدونة انحرافا فظيعا؟ أو ستصل لتصفني بعبارات الجنون بعد قراءتك لأول فقرة؟ ربما وربما روبما… لكن في الأخير أنا إنسان وهناك كلمات عليّ البوح بها دون إذنك مع العذر الشديد لك، هذا أنا بكل بساطة!

قراري بالكتابة لك جاء قهرا، وأنا الذي ظننت أني سيد قراراتي، وأمير مغامراتي، إلا أن صوتا داخليا صارما ملحّا أمرني بدحرجة كل مقال كنت أبرمج نشره اليوم، وتأجيل كل فكرة فيها برمجتها واخترتها بعناية، فليس الوقت وقت برمجة ولا أفكار، وإنما هناك من عليك أن تعمل جاهدا مكدا للملمة بعض الحروف وتتويجها معا لتشكل الكلمات والعبارات لترسم خيال اعتذار، علّك تحوز رضاها، فاليوم لا خط تحريري للمدونة، ولا حتى منهجية كتابة مما ألفتُ أو حاولت، اليوم اكتب مباشرة دون أن تحذف أي حرف أو تعيد قراءته أكثر من مرة، سر ولا تنظر للوراء، أكتب واكتب ثم انشر ودعها تَقرأ…

لا أدري كيف أني انتظرت حتى أجمع أكثر من مائة مقالة لأوجه واحدة منها لك؟ أهي الغفلة؟ أم النسيان؟ أم هي قضية أولويات؟… لا شيئ من ذلك أبدا، كل ما في الأمر أني انتظرت حتى أحوز بعض الرصيد من الكتابات، لأن رحلة الكتابة لك مغامرة غير محسوبة المخاطر، مع ذلك سأبقى أحاول وأكرر المحاولة إلى أن يأتي اليوم الذي أرقى إليكٍ ببضع كلمات متراصّة شبه مرتبة أقدمها لك بانحناءة وحتى سجود لو علمت ولو من رواية أنه جائز في حقك…

لا أدري كيف أنطلق واسترسل هل بالأيام والسنوات التي قضيناها معا فكانت نورا يغشى الكون حولي ونبراسا منيرا أشق به طريقي بكل ثقة في بحر النور الذي كسوت به حياتي؟ أم تكون البداية بشكرك على فضائلك اللامتناهية عليّ؟ أو من الأفضل أن أخوض دون تردد في وصف آثارك النفسية والحسية عليّ ككائن بشري أبى ألا يحيا حياته بدءا من عشرينياته إلا معك؟ أعتقد أنها أمور سأحتفظ بها لأني أفضل البوح بها كما عهدتك أفعالا وأقوالا، وهذا عهدي بك، فالمكان ليس مكانها هنا…

لا أكتب لك كي أصفكِ حسيا ولا معنويا، فأنت أرقى من أن توصف ببضع كلمات، إذن فلأدع الفكرة جانبا، كما لا أريد أن يحظى غيري بأي خصلة منك، وإن شئت سمها غَيرة مجنون، أم حتى صنّفيها ضمن عيوبي التي لا يعرفها معرفة حقيقية غيرك…

لازلت لحد الآن لم أفصح عن أهدافي من الكتابة لك، أعتقدها أسرار أخرى، لكن لبوحها أريد عهدا من كل قارئ لها أن يحتفظ بها لنفسه دون أن ينشرها لغيره!  فأنا لا أريد منها إلا رد بعض الجميل لك يامن كنت سرّ كل نجاح بلغت، وأصل كل فلاح كان صداه برسالة شكر وردت لي من هنا أو هناك على جميل قمتُ به، فكم كنت أنانيا حينما كنت أعتقد ولو لوهلة أني سبب كل نجاحاتي بعد فضل الله علي ووالدي الكريمين، كما إخوة حولي، وإنما كان لك في كل أمر جميل بصمة، وأية بصمة!

إحسانك وصدقك وصبرك وحلمك وأخلاقك لا توصف بكلمات البشر مجتمعة، ولا غرابة أن كنت اسما على مسمى لأم المؤمنين، فعذري طويل شديد إن صدر مني يوما ما يشوب صفاء قلب، ولو بكلمة أو إيماءة أو حتى تعابير وجه…!

أكتب إليك علنا وإن كان الإلف -بيننا وبين من على حالنا- في التراسل هو السرّية، وأبتدع طريقة جديدة لأخاطبك جهرا وإن كان الهمس أفضل وقعا، سيأتي إليك هذه المرة من يقول لك إنه قد جنّ جنونه وأرسل لك أشواقه عبر النت، فأرجو ألا تتسرعي في اتهام الإنترنت بشيء ووجّهي كل عتبك عليّ، فقد كان القرار قراري، والرأي رأيي في كل المؤامرة… وحتى عتبك عليّ حينها فن من الفنون التي أستمتع بالخضوع لها.

لا أدري كيف أمضي أياما دون حضرتك وأنا الذي ألفتك سندا، ولا أدري إلى متى سيبقى مفعولك ساريا في شخصي حتى أتحول لشخص آخر؟ ولكن رغم ذلك كله أحسن الله عزائي فأحمده حمدا كثيرا أن كنت في عصمتي زوجة ولحياتي مكسبا ولقلبي حبيبة، فالله كان قادرا على أن لا نكون معا يوما ربما، فله الحمد ثانية وله الشكر بكرة وأصيلا فنعم الرفيقة الصالحة، ونعم المربية الناصحة أنت…

حفظ الله لنا لؤلؤتنا، وجعلها نبتة طيبة في أرض طيبة إن شاء الله، فلا خوف منها ما دمت أمها، ولا حزن عليك ما دامت معك، أما حزني فعلى نفسي حينما لا أسمع لكما دبيب حياة حولي، ولا أرى عنكما أثرا… هي الغربة تأكلنا أكلا وتستهلك آلامنا استهلاكا… أعلم أن الكثيرين مثلي حالا، لكن ليسوا كذلك بالضرورة أحوالا… فالشوق في الإنسان الحي أمر ملازم، وأي كاتب لا يعبّر عن ما يختلج في صدره حقا فماذا هو كاتب إذن؟

عليّ أن أضع حدا لحروفي هذه، فإن تركتها تنساب لا تنتهي أبدا… هذه خواطري لك… آثرت كتابتها هنا هذه المرة، ولا أدري أهي الحكمة والرأي السديد أم هو التهور وسوء التدبير، على كل أنا لم أكتب إلا ما كان صدقا، ولم أقدّم عهدا لأحد بعدم إقحامكِ هنا ولو عنوة، وكيف يزدان موطن دونك؟ وهل مثلك يحتاج التزاما أو رخصة من أحد…!