يسري المعتقد بين الناس عن وجود قواعد مضبوطة وأسس دقيقة ليكون فريق العمل منتجا فعالا ناجحا، وهذا أمر مؤكد لا جدال فيه والتجارب الميدانية موجودة وبكثرة لتثبت ذلك، إلا أن هناك شقا آخر هو سر كل النجاح لا أجد له توفرا كبيرا في ما بحثت عنه، وإنما عاينته بنفسي، واكتشفته شخصيا.

وحسب ما ورد في موضوع سابق حول كيفية تحقيق الفعالية في فريق العمل وهو أمر مطلوب بدرجة قصوى من الحاجة، فإني أعتبر أن هناك مسلكان علينا العمل فيهما بنفس الاهتمام لنطمئن على الأقل بكوننا في الطريق الصحيح لمشاريعنا.

أبدأ بالمسلك الثاني وهو المقاييس والضوابط التي تحدد العلاقة بين أطراف العمل، فهذا مسؤول أول، وهذا نائب، هذا موظف وذاك متعاقد بمشروع معين، فكلهم نحو هدف واحد سام يبذلون جهودهم وأوقاتهم، أما المسلك الأول والأهم هو العلاقة الاجتماعية التراحمية بين أعضاء الفريق بما يسمى بتعبير آخر “الإحسان”.

فليس المدير الناجح ذلك الذي يظهر عبوسه ويتظاهر بالشدة والحزم في كل خطوة مهما صغرت أو كبرت، إنما الإدارة الفعلية هي أن تعتبر من كلّفت بالإشراف عليه إنسانا مثلك، لديه طموحات كما لديك، ويملك أحاسيس كما تملك تماما، فليست الأجرة المادية المرتفعة والظروف الرغيدة فقط هي المطلب الأول فيمن توظفه، إنما الإحسان والكرامة وتقدير الجهود أولى من كل ذلك.

أما أن تكون حازما فهذا مطلوب مع الحكمة أيضا وبعد استيفاء مرحلة الإعذار، فمثلا حينما نتحدث عن فريق عمل يعمل كل جهده لأجل رسالة وفكرة آمن بها، نجد أن قضية التعامل بالوقت لا تحدد بالطريقة الكلاسيكية (8 ساعات) في كل أطوار العمل، بوجود حدود دنيا لا يجب النزول عنها، مع إتاحة الحرية في العمل لكن وفق إتمام المهام في آجالها المحددة فقد قيل: “قد يعمل الموظف 8 ساعات لأجل أجرته، و12 ساعة لأجل مدير جيد، ولكنه يعمل 24 ساعة في سبيل الفكرة التي يؤمن بها”.

مع وجوب الإشارة لمهام معينة تقضي الالتزام بأوقات محددة مضبوطة مع التغاضي أحيانا عن الضرورات من باب التراحم، وغالبا في تلك الحالة حينما يجد الموظف نفسه في بيئة تحترمه يسعى جاهدا لسد الخلل وتعويض النقص من تلقاء نفسه وحسب مبدإ الثقة.

أمثلة الشركات الناجحة كثيرة أمامنا قد سلكت هذا المنهج بعدما تأكدت أن الضوابط ضرورية لكنها لا يجب أن تتعدى على كرامة الإنسان، ولكم أن تغوصوا في أعماق قصص النجاح لتلمسوا ذلك السر وتحسوا به، والعكس صحيح في شركات ولّدت ناقمين منتقمين، كانوا ضحية أسياد لهم لسنوات يقاسون كل ألوان القهر والكبت مما قاسوه هم أيضا ممن قبلهم وهكذا…

أهم مطلوب ممن توظفه هو المردود المادي والمعنوي بأقصى درجاته، وهذا يدخل في الاتفاق من أول يوم، إذن أقصر طريق لتحقيق ذلك هو توفير جو مناسب للإبداع والعمل، دونما سذاجة ومبالغة أيضا، فليس معنى هذا أن نتركه في حرية مطلقة وهذا إيذان بخراب المشروع ككل، فالتراحم المطلوب يجب أن يكون من الجهتين بالتأكيد.

علاقات العمل التي تتسم بنسبة واضحة من التراحم تجعل الموظف وإن لم يطمئن ماديا أو معنويا وأراد الاستقالة يعتذر بأدب بترك منصبه مع بقاء العلاقة اجتماعيا وطيدة وطيبة بين شركائه وأصدقائه وحتى مديره في العمل، لما بعد الانفصال وهذا هو السر، فلا فائدة من عمل يقطع العلاقات ويولد التوتر دونما سبب أو مبرر.

أما إن حدث العكس وكان هناك عضو من أعضاء الفريق مخلا بواجباته ومقصرا في مجهوداته فيمكن تشبيهه هنا بإلكترونات تدور حول النواة بسرعة قصوى وإن حصل وتباطأت إحداها طارت خارج المدار بفعل “القوة الطاردة”، فتجد ذلك العضو ينسحب بمحض إرادته متأكدا من كونه لا يصلح في ما أوكل إليه ولا يهنأ له ضمير حتى ينسحب، مع أنه من الممكن أن تشذ القاعدة في ظروف معينة أحيانا، هنا يلجأ المدير للحزم المطلوب المناسب.

فإن حدث وكلفت بتسيير فريق عمل فكن أنت القدوة وافرض احترامك لا الخوف منك، وهناك فرق جوهري عميق، كما عليك أن تبث روح الصراحة والوضوح وتحققها باستمرار كصمام أمان نحو الفعالية والعمل، أيضا عليك أحيانا أن تضع نفسك مكان موظفيك لتشعر بما يشعرون ولتحس بما يقاسون، أما إن كنت ضمن فريق عمل وتحت إمرة مدير فبادلهم الاحترام وأظهر لهم ودك وسمو أخلاقك أثناء العمل وفي غيره، فعلاقات العمل إن امتدت لخارجه في جو من الأخلاق كانت نورا على نور.

أختم في الأخير بالتأكيد على أنه لا قوانين بلا أخلاق، ولا ينفع رقيب دون ضمير حي، ولك مثال في حركة السيارات حينما يغيب الشرطي وتتوقف الإشارات ماذا يقع؟ فاسع أخي للتعامل والتعاقد قدر المستطاع مع أصحاب الضمائر والأخلاق العالية قبل غزارة المعلومات والمهارات، وهذه عملة نادرة هنيئا لمن وجدها.